بيار أبي صعب
الدوامة التي يعيشها لبنان، وهي تعبير عن أزمة أخلاقية وثقافية وحضاريّة وبنيويّة، قبل أن تكون نتيجة صراعات وخلافات سياسية، ليس من المستغرب أن تلفّ الصحافيين. هناك ثمن يدفعه هؤلاء كل يوم، وأيضاً أخطاء ومطبّات ينزلقون إليها. قد يبدو الثمن ثانوياً، إذا ما قيس بالعنف الدموي الذي أودى بحياة سمير قصير. لكن الاغتيال جريمة منظمة تقف وراءها جهة محددة. أما العنف العادي، اليومي، فنتحمّل مسؤوليّته جميعاً.
حين تكون قواعد اللعبة من أساسها ضائعة، على مستوى الحياة العامة ككل، من الطبيعي أن يتجلّى ذلك، بشكل كاريكاتوري، على ساحة الإعلام. فتضيع الحدود بين الموقف السياسي الذي هو حقّ لكل مواطن... والواجب المهني، أي مقتضيات ممارسة المهنة بما تيسّر من الأمانة والموضوعيّة. تحضرنا صورة مي شدياق على درج بكركي تدعو “المسيحيين” إلى عدم المشاركة في تظاهرة المعارضة أول كانون الأول. وليد عبّود الذي اكتشفناه خطيباً من خطباء 14 آذار في ذكرى سقوط جبران تويني. وهذا الخلط نادراً ما أفلت من فخّه أي مؤسسة إعلامية، بما في ذلك نحن في جريدة “الأخبار”.
في المقابل هناك “الممارسات الانتقاميّة” على أشكالها في حقّ المصوّرين والصحافيين. كثيرون “عوقبوا”، أي ضربوا أو اعترضت طريقهم في الأيام الماضية، على أساس توجّهات المؤسسة التي ينتمون إليها. فهل نذكّر أن حق الصحافي في العمل مقدس، والإساءة الى هذا الحق إساءة إلى حريّة الصحافة أولاً، وإلى قواعد اللعبة الديموقراطية ثانياً، وإلى الرأي العام الذي من حقّه أن يعرف.
الصحافي يمثل مهنته أولاً: هذه هي القاعدة التي ينبغي أن نتواضع عليها جميعاً. وإذا شوّه الحقيقة، أو زوّر في نقلها فهذا شأنه، وتلك مسؤوليته... أما ضحيّة التشويه والتحريف، فلا تملك الحق في التحوّل جهاز رقابة، أو محكمة تفتيش! فراس حاطوم، دخل حيث لا يحق له ربّما، لكي يحاول أن يكشف لنا ماذا يختبئ في قعر المستنقع النتن. وهو اليوم، على رغم أي اعتبار، رمز جديد من رموز حرية الصحافة المهدّدة!