بيار أبي صعب
المواطن العربي مغلوب على أمره، مقهور سياسياً واجتماعياً، قومياً ووجوديّاً، روحيّاً وجنسياً، ثقافياً ومادياً. إنّه مخيّر بين الحروب الأهليّة والتطرّف والكبت بكلّ تشكيلاته، والأصوليات على أنواعها... أو التماهي الأعمى مع جلّاده مرجع الليبرالية ومعقل الحضارة! أنا مكانه سأختار التطرف... فماذا عنكم؟ أنتم على الأرجح لستم مع التطرّف. أنتم ليبراليّون. طيب برافو، هذا شيء جميل ولطيف. مرسي على هذه الليبراليّة. لكن، اتركوا لنا شيئاً.بعضكم أخذ الليبراليّة. وبعضكم أخذ الدين. اتركوا لنا النكتة... اتركوا لنا الضحك. إننا نطالب بهذا الحق الأخير. حقّ الضحك. الضحك عليكم طبعاً، على وطنيّتكم و“دينكم” وليبراليّتكم.
لن نطالب بالحقوق الأخرى. لم نعد نريد حق الخبز، وحق الرعاية الصحيّة، وحق التعليم، وحق المشاركة، وحق الاختلاف... فقط نريد أن نضحك. حتى النكتة صارت مادة مشبوهة؟ جنحة وخروجاً على الدين والقوانين؟ الكاتبة المغربية سناء العاجي، لم تفعل أكثر من جمع النكات التي تتناقلها ألسنة الناس في المغرب. التقطت العبقرية الشعبيّة، بعفويّتها وصدقها الموجعين أحياناً. إنّه سلاح الفطرة والبديهة. إنها آخر وسيلة احتجاج ممكنة، مسالمة، متصالحة مع العالم. فهل صارت النكتة جرماً؟
هذه الكاتبة الشابة التي تجسّد جرأة المرأة المغربية، جمال المغرب وحريّته وانفتاحه... تريد أن تضحك من العالم. فمن كان يتصوّر أن تضعها السلطة في قفص الاتهام؟ هؤلاء الغيارى على الدين، أما آن لهم أن يستريحوا قليلاً، ويتركونا نضحك؟ من قال إنّهم أقرب إلى الله تعالى من سناء وسائر الضاحكين؟ الرسوم الدنماركيّة تنضح بالفوقيّة الحضاريّة والجهل السياسي والعنصريّة، وهنا بشاعتها... لكن ما علاقة ذلك بالفطرة الشعبية المغربية، وهي مجبولة بالإيمان واحترام المقدّسات، مهما تجرّأت؟ تلك الفطرة هي التي ابتدعت كل النكات كما جمعتها العاجي في ملف مجلة “نيشان”. ثم ما دخل مجلس الأمة في بلد عربي آخر بهذه المسألة من أساسها؟ لماذا استفاقوا الآن، وكنا نتمنّى أن نسمع احتجاجهم خلال الغزو الإسرائيلي على لبنان مثلاً؟
نحن معك يا سناء... لا تحرمينا من ضحكتك. اتركيها تلعلع بين جدران زنزانتنا العربية الكبيرة. اتركيها تطرد من حياتنا ذلك الصمت المشبوه الذي يشبه الموت...