جورج موسى
أكدت الدراسات التي أجريت في السنوات الأخيرة أن الجمهور بدأ يملّ شيئاً فشيئاً من أخبار السياسة، لكن عام 2006 جاء ليدحــض هذه المقولة. حـــــتى منتصف العام، كان الإعلام العربي مشغولاً بخدمة البث “الديجيتال” وتقـــــديم برامج المنوعات. لكن العدوان الإسرائيلي على لبنان من جهة، واشتداد المعارك في ساحتي العراق وفلسطين من جهة أخرى، بدّلا كثيراً من ملامح المشهد الفضائي في العالم العربي... ضراوة الغارات والمجازر باغتت الشاشة الصغيرة، وتسابقت المحطات إلى استقطاب الرأي العام عن طريق الصورة، فصارت هي الحدث. مثّلت الأحداث السياسية المتسارعة امتحاناً حقيقياً للمحطات العربية، وكان لا بدّ لبعضها من تـــقديم إعلام مضاد بإمكانه إيجاد حالة توازن مع الإعلام الغربي الذي بدا صادماً بطريقة تعاطيه “المنحازة” مع الحدث. كسر الإعلام العربي القيود التي تفرضها عليه السلطة عادة، فلم تعد تقاريره باهتة، وإن اختلف تناول العدوان العسكري وتداعياته السياسية بين مؤسسة وأخــرى تبعاً لخلـــفـــية كلّ منها... وإذا كان لا بدّ من اســتـــخلاص درس أساسي، فهو أن المشهد الفضائي عندنا لن يبقى كما هو. لقد دخل مرحلة جديدة، كاسراً كل القوالب الجاهزة والأفكار المسبقة عنه.
غاب الخيال عن التلفزيون، ليصبح “الواقع” سيد الموقف. انصرفت الفضائيات عن البرامج الخفيفة لتدخل إلى قلب المعمعة السياسية. هكذا وضع المشاهد هيفا ونانسي بين قوسين، وأدمن الأخبار العاجلة، وصور الدمار، وبرامج الحوار.
راحت المحطات “المنوعة” تنافس “الجزيرة” و“العربية” في نقل الحدث... وصنعه أحياناً. حتى في الدراما، اكتشف صنّاع المسلسلات أن العالم الخيالي لم يعد يغري المُشاهدين. بدليل أن الدورة الرمضانية الأخيرة شهدت تحولاً واضحاً في نوعية البرامج، فطغى هاجس التاريخ، وتم إحياء شخصياته البارزة.
وبعدما انعكس غضب الشارع على المشهد الفضائي، وجّهت الشاشات العالمية أنظارها نحو السوق العربية: France 24 تبدأ منتصف العام المقبل بثّ برامجها العربية، وBBC تطلق قناتها العربية قريباً. وارتدت LBC العباءة الخليجية، كما اقتحمت مع MBC و“الجزيرة” سوق المغرب العربي. لكنّها لن تتمكن من إيجاد موطئ قدم هناك... إلا من خلال البرامج الواقعيّة. إنه الواقع انتصر على تلفـــــزيون 2006، مودعاً الخيال!