محمد خير
ليس مهرجان قرطاج الأول في تكريم “السينمائي” نجيب محفوظ، إذ سبقه الى ذلك مهرجان فالنسيا السينمائي في عام 1996. عند الحديث عن سينما نجيب محفوظ، تتبادر الى ذهننا تلقائياً الأفلام المقتبسة عن رواياته، مثل “اللص والكلاب” أو “ثرثرة فوق النيل”. لكن هذا ليس مقصد التكريم في مهرجان قرطاج أو فالنسيا. ما لا يعرفه كثيرون أن إضافة محفوظ إلى السينما تتعدى بكثير كونه مصدراً درامياً: محفوظ هو أول من قدّم القصة المكتوبة خصيصاً للسينما في “بين السما والأرض” (1959) لصلاح أبو سيف والتزم فصل شخصه السينمائي عن الروائي طوال تاريخه.
قدّمت السينما عشرات الأفلام عن روايات لمحفوظ رفض كتابة السيناريو لأي منها، في وقت كتب سيناريوهات لـ18 فيلماً ليس بينها واحد مقتبس عن رواية له. لم يتماس عالما محفوظ إلا مرتين: الأولى في أواخر خمسينيات القرن المنصرم عندما تولى رئاسة الرقابة على السينما، فتوقف عن كتابة السيناريو حتى لا يصبح الخصم والحكم معاً. أما المرة الثانية فعندما رأس جهاز السينما، رافضاً أن ينتج الجهاز أي فيلم مقتبس عن رواية له.
كان صلاح أبو سيف أول من استشعر الحاسة السينمائية لدى محفوظ، فطلب منه الاشتراك في كتابة “مغامرات عنتر وعبلة” (1946) ثم كتابة سيناريو “المنتقم” (1948).
إلا أن البداية الحقيقية لشراكة محفوظ وأبو سيف كانت في “لك يوم يا ظالم” (1951) المقتبسة عن رواية لإميل زولا ثم “ريّا وسكينة” (1953) فـ“الوحش” (1945). في الواقع، من بين 11 فيلماً لصلاح أبو سيف صُنّفت ضمن أفضل مئة فيلم مصري، هناك ستة أفلام كتبها محفوظ، وفيلمان اقتُبسا عن روايتين له، وهما “بداية ونهاية” (1960) عن رواية بالاسم عينه و“القاهرة 30” (1966) عن روايته “القاهرة الجديدة”.
عمل محفوظ أيضاً مع المنافس الأبرز لأبو سيف، ليس سوى المخرج يوسف شاهين. فقد اشترك مع عبد الرحمن الشرقاوي وعلي الزرقاني في كتابة سيناريو “جميلة أبو حريد” (1958) ثم مع الشرقاوي في “الناصر صلاح الدين” (1963) وأخيراً “الاختيار” (1971). لكنّ التمحّص في قائمة أفضل فيلم مصري، يكشف مفارقة حقيقية: القائمة التي اختارتها جمعية النقّاد المصريين عام 1996 بمناسبة مئوية السينما، ضمّت 18 فيلماً كتبها محفوظ أو اقتُبست عن رواياته. والمفاجأة أنّ بينها 11 فيلماً كتب محفوظ قصتها، ومن أشهرها “شباب امرأة” لصلاح أبو سيف (1965) و“جعلوني مجرماً” لعاطف سالم (1954). أما الأفلام المقتبسة عن رواياته، فلم تختر القائمة منها سوى سبعة، منها “بين القصرين” (1964) لحسن الإمام، “اللص والكلاب” (1962) لكمال الشيخ.
لم يضبط أحد محفوظ يوماً يعترض على طريقة تناول رواياته في السينما، حتى عندما حوّل حسن الإمام روايته “المرايا” إلى “أميرة حبي أنا”! كان يقول دوماً إنّ دوره ينتهي عند كتابة الرواية، ما دام لم يكتبها خصيصاً للسينما، وبالتالي ليس معنياً بقياس المسافة الفنية بين الرواية والفيلم.
يتذكر المرء هذا الكلام عندما يتابع “المعارك” حول مسلسل العندليب أو السندريلا، أو حتى الصراع بين “واوا” هيفا و“واوا” دومينيك. نتذكر... فنتحسّر!