بيار أبي صعب
تكتب سوزان عليوان همساً، كأنها لا تكاد تكتب أبداً. ما يهمّها هو الكلام المصفّى، المقطّر، ما يبقى منه بعد أن يمرّ الوقت، وتمرّ الثورات. بعد أن يصمت الجميع، ويتعب “كتبة” الاستعراضات، وشعراء البلاطات والمنابر والمافيات المقيتة. بعدما ينتهي الكرنفال، فيروح عمال التنظيفات يجمعون أشرطة الـcotillons الورقية الملوّنة وسيوف الكرتون وقبعات الساحرات...
ما بقي من الكلام. تلملم “كراكيبه” سوزان على عجل، وتستأنف حياتها السرية التي لا نعرف عنها شيئاً. الحياة ليست مهمّة على الأرجح. المهم هو ما علق من أدرانها على الورقة الصغيرة التي ازدانت برسوم طفولة مستعصية. “الحياة؟ أن نتركها لخدمنا يعيشونها عنّا”، كتب ذات قصيدة عبّاس بيضون، وقد تنكّر في ملابس الماركي دو ساد.
تكتب الشاعرة، أي توجّه رسائل الى أصدقاء سريين مبعثرين حول الكوكب. لا أحد يعرفها، ومع ذلك فنحن أصدقاؤها. غرفها السرية مشرعة لمن يحسنون عبور تلك المسافة الأرستقراطية الرقيقة التي تتركها بيننا وبينها، تلك الطريق الافتراضيّة الى لغة مكثّفة وعالم مؤسلب.
على «عتبة الشتاء»، تجد الظرف الأسمر فوق مكتبك، فتعرفه. لا تسألني كيف. تفتحه: «كراكيب الكلام»، ديوان سوزان عليوان أخيراً. «لأن الصباح فقد لهفته/ لأنني تجاوزت رغبتي/ وأفرغتُ الكلام من كراكيبه الكثيرة/ لأنني بلا أصدقاء/ قلبي وردة ظلّ/ جسدي شجرة غياب (...)/ لأن هذه المدينة تذكّرني/ بصوت امرأة أعجز عن نسيان انكسارها...».
واصل القراءة. إنها سوزان. قصيدة النثر بألف خير. عفواً أحمد عبد المعطي حجازي!