بيار أبي صعب
لم تكن إميلي جاسر تتخيّل ما يمكن أن يخبئه لها ذلك اليوم الهادئ في رام الله. الخامس عشر من تشرين الثاني (نوفمبر)، “من المفترض أنّه يوم استقلالنا” تكتب الفنّانة الفلسطينية في رسالة إلكترونيّة، وصلتنا عن طريق السينمائي الاسرائيلي آفي مغربي.
كانت إميلي في منتهى السعادة لأنّها أقنعت أخيراً كارولين، صاحبة الغاليري التي تبيع أعمالها في نيويورك، بزيارتها في مدينتها. “طالما أردتها أن تأتي وترى فلسطيننا، ربّما أمكنها أن تفهم أعمالي بصورة أفضل”.
بعد جولة على المراكز الثقافية، وزيارة إلى أحد المخيّمات، ثم الغداء... فجولة لا بدّ منها على “المقاطعة”، حان وقت النزهة.
في السيارة إميلي وضيفتها وأختها الفنانة آن ــــ ماري. الوقت: بعد الظهر. الوجهة: مطعم أحد الأصدقاء لتناول “الكنافة”، والاسترخاء في جلسة سمر “تتيح لكارولين أن تستوعب كل ما شاهدته ذلك اليوم”. قرب مقهى زرياب، فوجئت الراكبات بـ“فان” يتجاوزهن من جهة اليمين، ويقطع الطريق، واقفاً في عرض الشارع. انفتح الباب فجأة على مجموعة من “المستعربين” (جنود إسرائيليون بملابس عربيّة). وانهمر الرصاص غزيراً على السيارة وكل ما ومن حولها.
تكتب إميلي أنّها لم تستوعب ما يجري للوهلة الأولى. تأكدت أن أختها بخير، أمسكت بيدها. وتذكرت ضيفتها أيضاً. “أنا مسؤولة عنها. أتيت بها الى هذا المكان”. أخذت تعتذر منها. كان الجو حاراً، حاراً جداً، والرصاص يواصل انهماره. وقد خفضت الثلاث رؤوسهنّ خوفاً من تناثر الزجاج. على اليسار كان هناك فانٌ آخر ورجال يطلقون النار. رأت أباً يدفع بابنته الصغيرة أرضاً، ثم يجذبها داخل أحد المحلات. رأت الجنود يضربون رجلاً فلسطينياً بوحشية، ويدفعون به الى داخل الـ“فان”.
بعد دقائق طويلة على هذه الحال، قفز الجنود داخل فاناتهم وابتعدوا. هجم الصغار وراحوا يرشقونهم بالحجارة. وتدافع الناس لمعاينة القتلى والجرحى.
“هكذا، في وضح النهار، في أكثر شوارع رام الله ازدحاماً... في اليوم الذي يفترض أن يكون عيد استقلالنا” تكتب إميلي جاسر. “لكننا بخير، لم نصب بأذى (...). أنا الآن مع زجاجة من العرق الجيّد، برفقة أصدقاء أعزاء. ماذا يطلب المرء أفضل من ذلك بعد يوم كهذا؟”.