بيار أبي صعب
جاءت بدفتر وقلم: بابا ارسم لي وطناً. الوطن لا يُرى قال لها. تحجبه الجموع الهائجة. الوطن وهم يفلت منا مرّة أخرى. فيه أبطال بقدر ما فيه خونة. الوطن مستودع بارود، كل عابر سبيل بوسعه أن يرميه بعود ثقاب (مشتعل). تكتّل مصالح وتحالف بارونات، وتآلف طوائف ومافيات. مرتزقة وضحايا. عملاء وشهداء. قتلة (لا نعرفهم) وقتلى (يقودون المسيرة).
نظرَ البابا الى الصغيرة، فلاحظ من استدارة عينيها أنّها لا تفهم. لا يهمّ. الوطن يصنعه التلفزيون لا كتب التاريخ. وطن من الزمامير والجنازات، والدواليب المطاطيّة المحروقة... الوطن برج بابل. “قرطة عالم مجموعين”. ونخبة لامعة تمارس البزنس والعلاقات العامة، وتتقن اللغات. وتمتلك أجمل السيارات، وباسبورات من شتّى الألوان.
الوطن؟ منتجع اصطيافي، يتيح زيارة أرض الأجداد، وتذوق مأكولاتهم وتقاليدهم الأصيلة. كاباريه لكل الأحبة والجيران “بابه مشرّع عَ الميلين”. آه، الوطن هو “القضية”. كدت أنسى القضيّة، قال. كان ينظر الى مكان غامض.
“القضيّة” ذريعة لكل أشكال الفساد والفتنة والتسلط. الوطن عصبيات وانتهازيات لا تحصى. قطعان من العميان يسوسهم قراصنة ومصاصو دماء وعملاء مزدوجون. جنازات وصراخ. كذب، كذب، كذب. وخوف. وطن الخوف. خديعة كبرى. وطن من المخدوعين. الوطن هديّة مسمومة، كنت أتمنّى أن أجنبك إياها يا حبيبتي. نظر إليها، كانت تبتسم برقّة. مضت الى أخيها: لا تصدقه. البابا زعلان، وحين يزعل يبالغ في تشاؤمه ويضخّم الأمور. أنا واثقة بأن الوطن شيء آخر.