بيار أبي صعب
لو لم تتمثّل السينما التونسيّة في الدورة الثلاثين من مهرجان القاهرة الدولي، إلا بشريط واحد هو «عرس الذيب»، فإن ذلك كان ليكفي. الفيلم يحمل توقيع سينمائي شاب هو جيلاني السعدي الذي سبق له أن لفت الأنظار في فيلمه الروائي الطويل الأوّل «خرمة» (2002). ويمكن اعتباره اليوم رمزاً لجيل سينمائي جديد في تونس، يكمل على طريقته مغامرة نوري بوزيد وفريد بوغدير ومفيدة التلاتلي وآخرين... بعد أن تحرّر من بعض الكليشيهات الجماليّة والسياسية التي أثقلت أفلامهم.
«عرس الذيب» نزول إلى جحيم الواقع، من دون أي بهرجة. لقطة مقربة طويلة على المجتمع التونسي، بِراهنه الفج والعنيف والمؤذي، بعيداً عن عبق الحنين ومشاغل التاريخ والذاكرة والمدينة القديمة والحمّام والقصور والعناصر التراثية والمواقف النسوية...
أولاد الحومة الثلاثة، ضحايا العنف وخلّان البؤس، يشربون البيرة في الشارع ليلاً، يغتصبون جارتهم (أنيسة داود) التي تعيش من مفاتنها. يورطون معهم ستوفة (محمد قريّع) ابن الطبقة الوسطى المتردد والمنطوي الذي تَخاصم مع والده، ولا يحلم سوى بالسفر الى جزيرة Cap Verde كي يشرب الروم ويشوي «الحوت» (السمك) ويستمع إلى سيزاريا ايفورا... وتبدأ رحلة الانتقامات والمطاردات والعناق المرير والحب المستحيل. شخصيات معتقلة في دائرة مقفلة، تلاحقها الكاميرا عن كثب، في رحلة انزلاقها واستسلامها لقدريّة عبثية لا خلاص منها إلا بالموت.
يقدم لنا جيلاني السعدي عملاً قاتماً وسوداوياً، فيه من الواقعيّة الإيطالية بقدر ما يقترب من مدرسة «دوغما ـ 95» لجهة خيار البساطة والديكور الطبيعي ورفض المنمقات الأسلوبية. الفيلم تدور أحداثه في تونس الآن وهنا، أي في الهامش، حيث يسود قانون الأقوى، العنف والتهريب والعصابات والكبت والاغتصاب. هنا الأفق مسدود، والإحباط هو القاعدة. يأخذنا جيلاني الى العالم السفلي للمدينة... ويحاول التقاط القدر الباقي من الإنسانية: آخر أشكال المقاومة.
أشياء كثيرة تدفعنا الى التعامل مع «عرس الذيب» كـ«مانيفستو» يعلن ولادة الجيل الثاني في السينما التونسية.