الجزائر ــ أبو بكر زمال
تشهد مكتبات الجزائر في السنتين الأخيرتين هجوماً من نوع خاص: فقد راح عددها يتقلّص، وتتحوّل غالباً إلى محلات لبيع الأحذية. هكذا لم يعد عدد المكتبات يتعدى الـ 10 في كبريات شوارع العاصمة الجزائرية التي تستعد لاستقبال تظاهرة “الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007”.
في أواخر ثمانينيات القرن المنصرم، عمدت الدولة الجزائرية في عهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد إلى زيادة الدعم الذي كانت تقدمه للكتاب. ولتحرير السوق، قامت الدولة بحلّ المؤسسات الاقتصادية التابعة للقطاع العام، ومنها مؤسسة الشركة الوطنية للنشر والتوزيع التي كانت تتولى كل ما يتعلق بمجال النشر والكتاب. هكذا، تحوّلت محلات تلك الشركة إلى ملكيات خاصة، مع دفتر شروط بالطبع يقضي بالمحافظة عليها كواجهات خاصة بالكتب.
سمح هذا الحل للعديد من المستثمرين من دخول مجال الكتاب... سواء عن طريق استيراده أو صناعته. وأصبحت محلات الكتب تعج بعناوين مختلفة عن الشعر والأدب والرواية والفلسفة. وانتعش الكتاب الديني في التسعينيات حتى اندلاع الأزمة الأمنية، الى درجة ذهب معها بعض خبراء مكافحة الإرهاب في الجزائر إلى القول إنّ انتشاره أسهم في تزكية العنف والتطرف (!) إلا أن طمع الناشرين ازداد في اقتحام هذا النوع من الكتب الذي لقي قبولاً في أوساط الشباب الباحث عن حبل نجاة ينقذه من يأسه وإحباطه.
وفي غياب تام لمؤسسات الدولة المراقبة في هذا المجال، بدأت واجهات المكتبات، في بعض أحياء العاصمة، أو ما كان يعرف بالمناطق الساخنة تتحول إلى ما يشبه المزارات القديمة. راحت تبيع أموراً لا تمت بصلة إلى نشاطها الرسمي كالمسك والحجاب، والأشرطة الدينية، حتى أنّها راحت تمارس فك السحر! وزاد من غبن الكتاب أن أحزاباً سياسية استحوذت على بعض المكتبات وحولتها مقار خاصة لها. فيما لم يكن المجال يسمح بالكثير من المبادرات الرسمية في هذا الإطار، إذ كانت الدولة في حالة حرب ضد الإرهاب.
في هذه الدوامة الكبيرة التي غرق فيها الكتاب، عمل آخرون باستراتيجية محددة. كان همهم الأساسي الحفاظ على قدر كبير من المسؤولية في التعامل مع الكتاب، صناعة واستيراداً، في ظل عوامل غير مساعدة على الإطلاق، منها عزوف القارئ عن اقتناء كتب محددة كالرواية والشعر والأدب والفلسفة. هذا عدا الهجمة الشرسة لكتب معينة وزحف سوق أخرى بأنماط جديدة وسلع قادمة من الضفة الأخرى وتحديداً من الصين. هذه السوق التي أصبحت اليوم أكثر إغراءً تحولك بين ليلة وضحاها إلى إنسان ثري، وخصوصاً إذا كنت تملك محلاً تجارياً. وهذا ما أوقع أصحاب المكتبات بين فكي رحى: إما مواصلة التحدي، أو بيع هذه المحلات لزبون قادر على دفع مبالغ خيالية لا يمكن تجارة الكتب أن تحققها لهم حتى في أحلامهم. هكذا، ستتحول مكتبة الغزالي، أشهر المكتبات في الجزائر، بداية العام إلى محل لبيع الأحذية، على غرار مكتبة “الثقافة العامة” التي أصبحت اليوم واجهة لبيع المنتوج نفسه.
والواقع أن جهوداً جبارة تقدر فقط على إنقاذ الكتاب في الجزائر من “وعكته الصحية” التي تبدو مزمنة. ولم تعد تنفع كل تلك الجلسات المكثفة التي عقدتها الجهات المسؤولة عن الثقافة مع المعنيين للخروج. ولا حتى الجهود الفردية للناشرين، وآخرها ما قامت به منشورات “القصبة”. إذ اشترت مكتبة “العالم الثالث” وأعادت تأهيلها بعدما كادت أن تتحول هي أيضاً إلى محل لبيع الأحذية. وفي وقت تتحوّل مكتبات العاصمة إلى محلات لبيع الأحذية، يبدو طريفاً إعلان الجزائر عاصمة للثقافة العربية لعام 2007!