بيار أبي صعب
كان افتتاح “أيام بيروت السينمائية” قبل أسابيع مؤثّراً وجميلاً. أول حدث ثقافي عام في بيروت بعد العدوان. ونحن هنا، لا نصدّق أن هذا يحدث فعلاً، فيما نتفرج، من الصالة التي غصت بالجمهور، على هؤلاء الفنانين الشباب، يقفون على المسرح لتقديم الفيلم الذي عملوا عليه ثلاث سنوات، أي إن تصويره بدأ قبل الطوفان. نتحدث طبعاً عن فيلم “فلافل” لميشال كمّون الذي أسهبت الصحافة في تناوله، وحيّت من خلاله ولادة مخرج جديد للسينما اللبنانية التي تعيش حالة احتضار حقيقي، شأنها في ذلك شأن قطاعات إبداعية كثيرة أخرى في هذا البلد العظيم!
لكن لماذا ترانا نستعيد المناسبة ــ على أهميتها التاريخية! ــ بعد كل هذا الوقت، ونحن على عتبة افتتاح مهرجان سينمائي جديد (تبارك الله على هذا البلد)، مساء الغد تحديداً، في قصر اليونسكو؟ نفعل ذلك بسبب “القبلة”. مجرّد قبلة، عفوية وصادقة وجميلة... تلاحقنا كلعنة، منذ ذلك الوقت.
كان الجو مؤثّراً، كما أسلفنا، تلك الليلة، ومناخات المودة والأخوة والصداقة والفرحة طاغية على الأمسية. وقف كمّون على المسرح بعفوية، وقال كلمات عن اللحظة، أبعادها وأهميتها، ثم دعا كل فريق الفيلم الى الخشبة فصفّقنا للجميع... وبعدها جاء دور المديرة الفنية لـ“الأيام...” إليان الراهب كي تعتلي الخشبة. فهنّأت المخرج الشاب بحرارة، وطبعت على خدّه قبلة من القلب... كما يحدث عادة في هذا النوع من المناسبات، في العالم أجمع.
في اليوم التالي عندما حمل إلينا حسام مشيمش صور الافتتاح لنختار منها ما ننشره، لم نجد أفضل من صورة القبلة تلك، بين ميشال وإليان، بسبب عفويتها وقدرتها على التعبير عن جمال اللحظة واستثنائيتها. وجدنا فيها تحية لجيل شاب يدافع بعناد عن السينما، ويحتفل بالحياة ضد البرابرة، وضد كل أشكال التخلّف. لكن تلك الصورة صدمت على ما يبدو الأكثر “ليبرالية” بين هؤلاء الشباب! بل إن هناك من رأى فيها إساءة (متعمّدة؟ غير متعمّدة؟) للمهرجان، أو قلة ذوق، أو إباحية في غير مكانها...
يا سلام على “الإباحيّة”! “احترنا يا قرعة منين بدنا نبوسك”. كنا نظن أننا جريدة محافظة وظلامية وأصولية، فإذا بنا نغضب الليبراليين والطليعيين بقبلة، هي سمة مهرجانات السينما واحتفالاتها وتقاليدها في العالم أجمع. «قبلة» كانت كافية لتعيد رسم الحدود بين المحافظة والليبرالية، في بلد الأوبريت الرحبانية الحافل بالحداثيين والطليعيين ودعاة الحرية وأبطال انتفاضات الاستقلال.