نور خالد
... وأفصحت الشحرورة عن وصيتها! في كل مرة تطلّ على الشاشة، يتساءل المشاهد: هل بقي لدى صباح شيء لتقوله أم أن الــــــــفنانة التي اقتربت من ولوج عــــــقـــــــدها الثامن، لا تزال تعي كيف تحفظ الاسرار؟ تخبرك الكثير عن رشدي أباظة وعــــــذابات الطفولة والرئيس شارل الحلو الذي رفـــــضت مصافحته... قصص عن أزواجها السبعة وغصة قلـــــبها تجاه هويدا وضيق الحال في الـــــــسنوات الأخيرة. تستمع الى حكايات صباح في كل مرة، لا لتتعرف أكثر الى “الأسطورة”، بل لتطمئن إلى أنها لا تــــــزال قادرة على سرد كل تلك الحكايات، بالــــــطريقة نفسها كما أمس والـــــــسنة الماضية ومنذ عقدين أو حتى نصف قرن!
لكنها في لقاء تلفزيوني أخير مع المذيع طوني خليفة، قررت أن تفاجئنا، فآثرت تخصيص خليفة بالجديد. والجديد في حياة فنانة عتيقة، بهت صوتها لكن شغف الحياة لا يزال يبرق في عينيها، كان الموت. صباح لم تخف ولم ترتعد. قالت: “لا أريد نساء منقّبات في جنازتي”. وحتى اليوم، لا تزال تثير بفساتينها غيرة الصبايا. لم تخف الكثير من الجسد في أفلامها وإطلالاتها التلفزيونية، حتى الرمضانية منها. ظهرت في برنامج “دمعة وابتسامة” على قناة “إنفينيتي”، بفستان أسود مخرّم، في طرفه وردة حمراء. من يحمل وردة حمراء لا يخاف الحديث عن الموت ولا يهابه.
خليفة سأل ثم تردد. أراد أن يقتنص من دون أن يجرح. قال: “لقد ذهبنا بعيداً”، وكاد يعتذر. كان يريد أن يسألها: “من تريدين أن يكون حاضراً في العزاء”. ما كانت الشحرورة لتجيب، وما كان هو، أصلاً، ليكمل السؤال. تراجع ثم عاد. اختبر حسّها. لا تزال هادئة وراغبة في التحدث عن الموت... موتها. قال: “ماذا عن الوصية؟”، أجابت: “الإرث لهويدا والفساتين لجوزيف غريب”. ثم جاء دور السؤال الحاسم: “ومن يمثّل دورك في مسلسل أو فيلم عن حياتك؟”.
الفساتين، ثروة صباح وثورتها منذ نصف قرن وأكثر، لغريب الذي يقف الى جانبها، يعاونها و“يفهم كيف تنام ومتى تأخذ الدواء”. هو يرافقها أحياناً إلى بعض المطاعم والنوادي الليلية حيث لا يزال الليل يغوي الصبوحة... هل يحق لأحد الاعتراض؟ للنساء أن يغرن من غريب وربما يحقدن عليه، وللمتحف أن يتحسر على غياب هذه الفساتين عنه. وماذا عن الفيلم أو المسلسل؟ اختارت صباح المغنية رولا سعد. غنّت رولا مع الشحرورة أغانيها، وربما أحبها الناس لأن صباح ارادت منهم ذلك. اليوم، تريد صباح من المخرجين والكتّاب والجمهور أن يقبلوا يترشيح رولا لتجسيد حياتها. لا تقول رولا شيئاً. هل من اعتراض؟ هل للملايين حق الاعتراض على رولا مثلما يعترض بعض عشاق “السندريلا” على أداء منى زكي لشخصية سعاد حسني، ومثلما اعترض بعض عشاق “كوكب الشرق” على صابرين في دور أم كلثوم؟ زوزو وكوكب الشرق لم يكن لهما حول ولا قوة في اختيار النجمتين، لكن صباح، قبل أن ترحل، تركت للجميع ملاحظة على ورقة صفراء: “أريد رولا”.
يوماً ما، سينفّذ الجميع الوصية. قد يعاد بث حلقة خليفة ويثار الجدل. وفي عز الصخب، هل يتذكر أحدهم تلك الورقة الصفراء؟