نور خالد
تجسيد شخصية سعاد حسني على الشاشة خطوة شجاعة تُحسب لمنى زكي. هل تجوز المقارنة بين الممثلتين؟ وإلى أي مدى نجحت زكي، حتّى الآن، في مقاربة «زعيمة» التعبيرية، علماً أنها تنتمي إلى مدرسة فنية مغايرة؟

منذ ظهورها الأول في مسلسل “العائلة”، منتصف تسعينيات القرن الماضي، بدت منى زكي ــ السمراء النحيلة آنذاك ــ أحد اكتشافات المدرسة التمثيلية التي تعتمد على الانفعالات الداخلية الهادئة، والعميقة الدافئة في آن. ضمن هذا التصنيف، اعتُبر أداء زكي، ترسيخاً لخط فاتن حمامة ولبنى عبد العزيز، وبدرجة أكبر ميرفت أمين.
ولعلّ المخرج محمد خان الذي اختبر أعمق انفعالات ميرفت أمين في “زوجة رجل مهم”، لم يجمعها اعتباطياً مع منى زكي في “أيام السادات”، حيث قامت الممثلتان بتجسيد شخصية واحدة هي جيهان السادات، في مرحلتين من حياتها. بدت زكي في الفيلم قريبة الشبه بميرفت أمين التي قدمت صورة تعبيرية مغايرة عن نجلاء فتحي، ذات الانفعال المتحرر والدافق الى الخارج فرحاً أو حزناً. من جهة أخرى، كانت سعاد حسني ولا تزال، زعيمة مدرسة تعبيرية مختلفة تعتمد، في شكل مفرط، على أدوات الصوت والعيون والحركة: خفّة الدم أولاً، ومن ثم خفّة الألم الذي يظهر شفّافاً واضحاً في العينين، وتوتّر الشفاه في أدوار أخرى في مرحلة النضج.
استوعبت سعاد انفعالات المدرسة الداخلية الهادئة، ثم خرجت منها، لتعود إليها في مرحلة متأخرة من حياتها تحت تأثير المرض وإحباط الهمّة، كما في أفلام “الجوع” و“المشبوه”.
في وسعنا أن نستعيد أي مشهد تعبّر فيه سعاد عن فرحة عارمة، ونقارنه بالمشهد نفسه الذي تؤديه ميرفت أمين. ستقفز سعاد عن الأرض، ويتدحرج الرنين في صوتها، وتبرق عيناها، ويتحرك جسدها كتلة واحدة لترسم دوائر الفرح.
أما أمين التي قال عنها عبد الوهاب إنّها أنيقة مثل حبة الشوكولا، فستضحك بأناقة، ويغلب الهدوء على انفعالها مهما انفلت من معاقله المشدودة الى الداخل. هكذا هي منى زكي. وهكذا أدّت أدوارها في “اضحك الصورة تطلع حلوة” و“عن العشق والهوى” و“من نظرة عين”، وحتى في أفلام الحركة على غرار “مافيا” تبكي وتضحك وتثور وتحب، ولا شيء يجرّها الى المدارات الانفعالية الأوسع.
لكن ماذا كان سيحصل لو اختلط الزمن، ورُشّحت زكي لأداء دور البطولة في “خلّي بالك من زوزو” مطلع السبعينيات؟ ماذا لو، والسؤال يحمل التخيّل، خرج الفيلم علينا بمنى زكي؟ أو ـ لصدقية تراعي الزمن ـ بميرفت أمين؟ هل كان “خلي بالك من زوزو” ليكون الفيلم الذي نعرفه؟ مناسبة السؤال هي تلك المقارنة التي وضعت زكي نفسها فيها، بشجاعة لامتناهية تُحسب لها، مع الراحلة سعاد حسني، لتقوم بأداء شخصيتها الواقعية في المسلسل الجاري عرضه. تلك مقارنة لا تستند الى الملامح الخارجية بين الممثلتين (تبدو قريبة في بعض الأحيان)، بل إلى الاختلاف الجذري في المدرستين التمثيليتين التي تنتمي كل منهما إليها.
استناداً الى تلك المعطيات، في وسعنا أن نبرّر لزكي، وإن بحسرة، ذلك الأداء “المحبوس” الذي تظهره في المسلسل. وبعيداً من عوامل الخوف والرهبة التي قد تصيب أي ممثلة تؤدي دور شخصية باهرة على مستوى الفن والحياة والموت، كما حسني، فإن الرهبة وحدها ليست المسؤولة عن ذلك الجمود الذي يربك أداء زكي.
هي، على رغم اجتهادها، لا تعرف حقيقة نتيجة إقدامها على امتحان في مدرسة أخرى غير تلك التي تنتمي إليها. لا نتحدث هنا عن دور مختلف، فوظيفة الفنان المجتهد أن يلعب أدواراً مختلفة، إنما عن مدرسة مختلفة برمّتها.
يعرف الجمهور كثيراً، وربما أكثر مما يتوقع صنّاع المسلسل، كيف تضحك سعاد حسني وتبكي وتزعل وتعاتب. يعرف حركة حاجبها حين تمزح، وثنية رقبتها حين تقهقه، وشكل ركبتها حين تضع رجلاً على رجل. حفظ الجمهور، مدى أجيال، تفاصيل شكل سعاد حسني وأدائها، من الصعب على أي ممثلة، حتى لو كانت باجتهاد زكي، ان تلتقطهما في غضون ثلاثة شهور أو حتى سنة كاملة.
في المسلسل، تبدو زكي في لقطات كثيرة تائهة ومشتّتة. لا تعرف تماماً كيف هي سعاد الانسانة التي تمثل شخصيتها، أو سعاد الفنانة التي تحاول تقليدها. ولا تعرف متى يجب أن تعود منى زكي، تلميذة المدرسة الانفعالية الداخلية. فتبدو قهقهتها مصطنعة، وطريقة اللجوء الى العينين للتحديق وإرسال الاشارات متكلّفة. محاولتها للتماهي المطلق بشخصية سعاد التي لا تزال حاضرة وبقوة في أذهان الجمهور وقلوبه، على رغم أنها بعيدة كل البعد عن خطها الأدائي والشخصي (سعاد كانت في الحياة كما في السينما)، زجّتها في هيئة استلاب، وقيّدتها. فظهرت مؤدّيةً تردّد ما حفظته، وما رصدته من أداء سعاد، وما لقّنه لها المخرج، من دون التجرّؤ على نبذ كل ذلك لتقديم بعد خاص يبيّن امكاناتها الحقيقية.
تقول زكي في حواراتها إن حلم حياتها تجسّد في شخصية “السندريلا”. الأحلام لا تصنع المعجزات، وأداء زكي في المسلسل، حتى اليوم، لم يصل الى حد الاقتراب من الحلم.

السابعة مساءً على شاشة LBC