رنا حايك
يتابع بعض المشاهدين بكثير من الشغف، أحداث مسلسلي «العندليب» الذي يتناول حياة عبد الحليم حافظ، و«السندريلا» الذي يستعيد حياة سعاد حسني. لعلّه الحنين إلى «الزمن الجميل» ورموزه، يتقاطع مع الفضول لمعرفة خفايا حياة النجوم، ولا سيّما أن هؤلاء أسروا جمهورهم لسنوات طويلة، وأدوا دوراً أساسياً في مرحلة التألق الفني الذي رافق عصر التحولات السياسية والاجتماعية في العالم العربي... من هنا، تظهر أهمية التطرق إلى حياة هؤلاء، وفيها أيضاً يكمن الفخ.
يصعب على من يشاهد هذه الأعمال ألا ينتبه إلى سطوة التلقين المعلوماتي وتقديس أبطال المسلسلات واحتوائها على أخطاء تاريخية كثيرة. نتذكر مسلسل «أم كلثوم» الذي تفرّغ فيه السيناريست محفوظ عبد الرحمن لتقديس كوكب الشرق، وتأطير الشخصيات المحيطة بها بين مطربة شريرة (منيرة المهدية) وملحن كبير يبدو عديم الشخصية خارج فلك الست (محمد القصبجي). هل نجح مسلسلا «العندليب» و«السندريلا» في تجاوز هذه المطبّات؟ رغم نجاح المسلسل الأول في تقديم ممثل شديد الشبه بعبد الحليم (شادي شامل)، ورغم المجهود الذي تبذله منى زكي لتحاكي بطلة العمل الثاني، يبقى السؤال معلقاً حتى إشعار آخر... بل إن التسطيح يكاد يكون سمة أساسية في تناول الشخصيتين. حتى إن الأداء بدا هزيلاً لشدة تركيز كل ممثل على صفة واحدة اشتهر بها نجمه، مع إغفال الجوانب الأخرى. عبد الحليم كان رومانسياً، لكن المبالغة في إظهار رومانسيته أضفت نوعاً من الكوميدية على بعض المشاهد، (حزنه الشديد مثلاً عندما صدته الحبيبة في موعد غرامي، وهو يحمل وردة حمراء).
تركيز منى زكي على جانب «الدلوعة الشقية» في شخصية سعاد حسني، جعلها دائمة الابتسام والإيجابية، فأبعدها عن الواقع، وتحوّل دلعها في بعض المشاهد إلى سذاجة. في العملين، ارتكبت أيضاً أخطاء تاريخية. فمنزل عائلة سعاد حسني في المسلسل يدلّ على انتمائها إلى طبقة بورجوازية، فيما كانت في الحقيقة تعيش حياة متواضعة في حي شبرا. أما الثياب التي كانت ترتديها «منى زكي» في الحياة العادية فهي مستوحاة من أفلام «السندريلا». إلا أن كثيرين ممن عاصروها، بينهم الشاعر أحمد فؤاد نجم، أكدوا مراراً أن سعاد (الحقيقية) كانت ترتدي ثياباً عادية خارج الاستوديو حتى صعب على الناس التعرّف إليها. أما علاقتها بأختها نجاة الصغيرة، فلم تكن مثالية كما أظهرها العمل.
لماذا يتعمد صناع هذا النوع من المسلسلات إخفاء الحقيقة؟ أين تكمن المشكلة لو برز التنافس المهني الذي حكمته الغيرة الفنية بين سعاد وأختها؟ وما الضرر في تسليط الضوء على تلك الغيرة الإيجابية التي جعلت عبد الحليم يتجه نحو الفولكلور في «على حسب وداب قلبي يا بوي» ليحافظ على جمهور بدأ يطرب لـ «يا عزيز عيني وأنا بدي أروح بلدي» للمطرب الشعبي محمد رشدي الذي «اصطاد» من العندليب بليغ حمدي وعبد الرحمن الأبنودي؟
تتّجه الدراما العربية منذ فترة نحو إنتاج أعمال تتناول السير الذاتية لشخصيات تاريخية وفنية تركت بصمتها في الثقافة العربية. إلا أن العودة لشخوص المراحل المضيئة في العالم العربي تفقد أهميتها عندما تتأطّر هذه الشخصيات بـ «ما يطلبه المشاهدون».