جورج موسى
تحقق دراما رمضان هذا العام حضوراً قياسياً، وتتجه نحو مزيد من «الواقعية». بعد مرور أسبوعين، بدأ صنّاع هذه المسلسلات مراجعة حساباتهم. هل نجحوا هذا الموسم في رهانهم على التاريخ؟

قبل أيام قليلة من حلول شهر رمضان، قرر التلفزيون المصري تأليف لجنة مشاهدة طارئة لتقويم المسلسلات التي ستعرض خلال هذا الشهر. وأكد مسؤول في التلفزيون حينها أن اللجنة لن ترضخ لأي ضغط من النجوم، ولن تسمح لأي «فيتو إعلاني» بفرض عمل درامي، ليست مقتنعة به.
كلام المسؤول مهّد للتقرير الذي أصدرته اللجنة، ووضعت فيه معظم المسلسلات التي تعتمد على أسماء النجوم في المرتبة الثانية: «سكة الهلالي» ليحيى الفخراني، «حضرة المتهم أبي» لنور الشريف، و«أحلام لا تنام» لإلهام شاهين، و«آن الأوان» لوردة الجزائرية، و«حدائق الشيطان» لجمال سليمان وسمية الخشاب...
وجاء رمضان، وتوالت مفاجآته. خلال النصف الأول منه، أجرت شركة «ايبسوس» اللبنانية استفتاء عن أكثر البرامج والمسلسلات مشاهدة، فحلّت دراما الخليج أولاً. ثم وضع عمرو أديب، مذيع برنامج «القاهرة اليوم»، الأعمال المصرية أمام امتحان المشاهدين. واحتلّ مسلسل النجم السوري جمال سليمان «حدائق الشيطان» المرتبة الأولى.
بعدها، راح الفلسطينيون يجرون استفتاءات على المواقع الإلكترونية لاختيار «العمل الأفضل». وحلّ المسلسل السوري «باب الحارة» في المرتبة الأولى ثم العمل السوري الأردني المشترك «راس غليص» الذي يعيد الدراما البدوية إلى الواجهة بعد سنوات من الغياب.
بعيداً من جدية الاستفاءات وحقيقة الأرقام التي سجلتها، يخرج قارئ هذه الاستطلاعات بخلاصة بسيطة: سباق رمضان لم يعد قائماً على «حرب النجوم».
يبدو أن صناع الدراما اكتشفوا أخيراً أن القصة وحبكتها الدرامية باتتا كافيتين لجذب المشاهدين. وهكذا، دخلت السباق أعمال تغوص في مشاكل المجتمع العربي، من الإرهاب إلى الفساد، ومن تدني الذائقة الفنية إلى سلطة القيود الاجتماعية...
ماذا يريد المشاهد إذاً من مسلسلات رمضان؟ وعلامَ يبحث نجوم هذه الأعمال وصناعها؟
ربما هو نقاش بدأ قبل سنتين تقريباً عندما كانت أعمال «الفنتازيا» و “الخيال” تغزو شاشة رمضان. في ذلك الوقت، راهن كثيرون على اقتحام “الواقعية” الشاشة قريباً، بعدما وقع المشاهد في حيرة بسبب العالم الوردي المليء بالانتصارات الذي تقدمه أعمال “الفنتازيا”، في وقت يعيش هو في واقع مأزوم مليء بالهزائم.
قد يكون هذا الرهان هو الذي حقق للدراما الخليجية حضوراً لافتاً في خريطة الموسم الحالي. ففي “جمرة غضى” و “الإمبراطورة” و “راح اللي راح”، غرف كتّاب هذه المسلسلات من واقع الشارع الخليجي، وتطرقوا بإسهاب إلى قضايا الفساد والجوانب الخفية من عالم رجال الأعمال، وتحديات المرأة الخليجية في مجتمعها الذكوري، وسلطة القيود الاجتماعية، والمشاكل التي تواجه الرجل الخليجي المتزوج من امراة غير خليجية.
تحديات الدراما المصرية
المشاكل الاجتماعية أنقذت نور الشريف العائد إلى دراما رمضان بعد غياب. ففي “حضرة المتهم أبي”، يقدم الشريف أحد أفضل أدواره من خلال شخصية معلم فاضل يواجه صراع الأجيال وتحولات المجتمع المصري في القرن الحادي والعشرين. كذلك يحيى الفخراني طرق باب السياسة والمعارك الانتخابية ليخرج من رتابة الشخصية المثالية التي قدمها في أعماله الأخيرة. أما جمال سليمان فنجح في تجربته المصرية الأولى، بعدما قدم قصة حقيقية عن عالم تجار المخدرات وعصابات الإجرام في الصعيد.
“الواقعية” أيضاً أنقذت مسلسل “العندليب حكاية شعب” الذي تفوق إلى حد ما على “السندريلا”، بعدما نجح في ربط شخص عبد الحليم بتاريخ المنطقة العربية والمد القومي، فلم يركز على شخصية عبد الحليم بقدر ما قدم قراءة لتاريخ تلك المرحلة. أما وردة، فهي حتى اليوم، لم تحقق نسبة المشاهدة المتوقعة لمسلسل يعيدها إلى الشاشة بعد 26 سنة. ربما هو النص الذي يحاول “تقديس” صورة النجمة.
وفي مسلسلات الإرهاب، حاول نجدت أنزور هذا العام أن ينطلق في “المارقون” من أحداث وقعت في أكثر من مدينة عربية، ليقدم قراءة عن خصوصية كل مدينة، وأثر تداعيات الأحداث “الإرهابية” فيها. أما “دعاة على أبواب جهنم”، فانطلق من أحداث وقعت في لندن وموسكو وعمان وبيروت ودمشق، ليؤكد أنه استند إلى الواقع في تحليل أبعاد ظاهرة الإرهاب، دينياً واجتماعياً وسياسياً.
دمشق والهواء النظيف
في الدراما الـــــــــــسورية، أدت قصص المجتمع دوراً رئيسياً في تحقيق أعلى نســــــــــــب المشاهدة. وفي حين انتقد بعضهم غياب الواقع عن القصص البوليسية وحكايا المجتمع المحلي التي تطرق لها مسلسل مثل “أسياد المال”، عزوا نجاح “باب الحارة” إلى اشتغال المخرج بسام الملا على البيئة الدمشقية القديمة، وإيقــــــــــــــاظه ذاكـــــــــرة نائمة على أمجاد الحارة قبل قرن مضى، بعاداتها وتقاليدها المفـــــتـــــقدة اليوم. كذلك نجح «غزلان في غابة الذئاب» في جذب المشاهد السوري عبر تسليط الضوء على حكايات فساد شــــــــــبه معــــــــروفة ومــــــتــــــــداولة عن مسؤولين سوريين. هذا بالإضافة إلى “على طول الأيام” الذي حاول فيه حاتم علي تقديم معالجة جدية لأسباب الفساد وظهور طبقة الطفيليين التي تسعى من دون هوادة إلى تدمير هواء دمشق، على صعيد عمراني وثقافي وسياسي.
بقي على رمضان أسبوعان تقريباً، فهل تتغير نتائج المعادلة، أم أن المشاهد سيبقى وفياً لأعمال تحاكي التحولات السياسية التي تتحرّك في الشارع العربي؟