جورج موسى
قد ينتظر المشاهد اللبناني طويلاً قبل أن يتابع على الشاشة الصغيرة عملاً درامياً يرتبط بحياته ويناقش مشاكله الواقعية الراهنة.
يعزو بعضهم غياب هذه الصناعة إلى أنها وليدة فترة ما بعد الحرب الأهلية، لذا “سيكون من المبكر الحكم عليها”. إلا أن المفارقة تكمن في شلل المسلسلات اللبنانية في بلد يعيش مناخاً حراً وينعم إعلامه بجرأة في الطرح وقدرة كبيرة على الإنتاج. أضف إلى ذلك الكوادر البشرية التي قدمت أعمالاً مسرحية قيِّمة من زياد الرحباني إلى روجيه عساف ويعقوب الشدراوي، وغيرهم.
بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان، وفي أوائل تسعينيات القرن الماضي، شهدت الدراما السورية نمواً كبيراً، وتحولت في وقت قصير إلى عنصر أساسي في القنوات الفضائية. موسماً بعد آخر عرفت الدراما السورية، بمساعدة غزارة الطلب وكثرة الإنتاج، كيف تقدم أعمالاً فانتازية وتاريخية وكوميدية إلى جانب الدراما الاجتماعية المفضلة لدى المشاهد العربي. في ذلك الحين، كانت الدراما اللبنانية تبحث عن مواضيع تبعد عن المشاهد شبح الحرب، فانحرفت البوصلة الإعلامية نحو التسلية والترفيه.
هكذا، ابتعدت الأعمال المعروضة على الشاشة عن الواقع، وبحثت عن صورة وهمية اقتربت من عصابات نيويورك حيناً، وتجّار المخدرات في بوغوتا حيناً آخر. لم تُحاك هذه المسلسلات الشارع اللبناني إلا في ما ندر، وابتعدت عن نار اللحظة الراهنة بكل خسائرها. وعندما كان أحدهم يحاول طرق باب المشاكل الاجتماعية، كان يعدّ وجبته على نار قوية، فتتم المعالجة بشكل سطحي من دون التركيز في المضمون والفحوى. هذا المساء، تطرح رابعة الزيات على طاولة “سجال” ملف الدراما اللبنانية وغيابها عن الكرنفال الرمضاني. ضيوف الحلقة هم الكاتب مروان نجار والصحافية ضحى شمس.
ربما تأخر الإعلام كثيراً في الحديث عن هذه الأزمة، وخصوصاً أن الدراما أثبتت أخيراً تأثيرها الكبير في تشكيل الوعي المعرفي وصوغ أعراف المجتمع وعاداته وقيمه السلوكية. وما تفاعل الجمهور مع مسلسل كـ “عائلة الحاج متولي”، واتساع دائرة النقاش حوله، إلا دليل على انتقال المشاهد من حالة التلقي إلى الوعي.
فهل يخرج البرنامج بحل لهذه الأزمة؟ وهل ستستميل المسلسلات اللبنانية (بعد الأردن والخليج) الفضائيات، وهي التي قال عنها يوماً الممثل السوري سليم صبري: “لبنان غني بالمواضيع التي لو جسدت درامياً، لهزت العالم العربي كله”.

الحادية عشرة مساء على قناة “أن بي أن”.