حسين بن حمزة
يضع الياس خوري حالياً اللمسات الأخيرة على روايته الجديدة التي ستصدر قريباً بعنوان “كأنها نائمة”. وكانت روايته السابقة “باب الشمس” قد عادت الى دائرة الضوء قبل أيام بعد فوز مترجمها الى الانكليزية همفري ديفيز، بجائزة “بانيبال” للترجمة في بريطانيا.
كتب الراحل سمير قصير ذات يوم أن إلياس خوري “روائي وصحافي ومواطن”. ولعل التوصيف يختصر سيرة هذا الكاتب اللبناني الذي تتحرك ممارسته الروائية والثقافية داخل أفق أوسع من الكتابة حيّزاً إبداعياً فقط. وهذه الممارسة تتحقق عبر تجاورات عابرة للبنانيته، ما منح الياس خوري تعددية أوسع من الجنسية التي يحصل عليها المرء عادة بالولادة. بهذا المعنى يمكن فهم سيرة خوري التي كانت دائماً موزّعة بين الأدب والسياسة والنشاط الثقافي. حدث ذلك مبكراً أثناء دراسته في كلية التربية، وذهابه ــ بعد هزيمة 1967 ــ إلى الأردن والتحاقه بقواعد العمل الفدائي الفلسطيني. كما نعاين هذه السيرة في تنقله المهني بين “شؤون فلسطينية” و“الكرمل” و“الطريق” و“السفير” فـ“ملحق النهار”... وفي تجربته الروائية التي أرّخ فيها للحرب اللبنانية، قبل أن ينجز، هو اللبناني، واحدة من أهم الروايات الفلسطينية وهي “باب الشمس” (1998) التي نال عنها جائزة فلسطين الكبرى للرواية، وتحولت فيلماً من توقيع يسري نصر الله.
وفي سياق المواطنة على الأرجح، يندرج دوره مديراً فنياً لـ“مسرح بيروت” خلال السنوات الحاسمة التي أعقبت الحرب الأهلية. كانت تلك المغامرة بين أولى المحاولات الثقافية لإعادة وصل بعض ما قطعته الحرب. ولا يمكن أن ننسى الأثر الذي أحدثته المسرحيات والأفلام وعروض الرقص والندوات التي احتضنها ذلك المسرح الصغير، إذ راح يربي جمهوراً جديداً ويفتح المدينة على أعمال لبنانية وعربية وعالمية مهمّة. وجاءت خيارات البرمجة آنذاك، تجسيداً لمشاغل إلياس خوري العربية، فاستضاف أفلام المخرجين السوريين محمد ملص وعمر أميرالاي وأسامة محمد. وأحيا “مسرح بيروت” الذكرى الخمسين لنكبة فلسطين عام 1998. ومن تلك الفترة، تبقى في الذاكرة عروض روجيه عساف وريمون جبارة وربيع مروة وجواد الأسدي وفاضل الجعايبي وتوفيق الجبالي وجليلة بكار... والقائمة تطول.
نستعيد ذلك لنرى كيف تتشابك عند هذا الكاتب أدوار الروائي والمثقف والصحافي والناشط. ذات يوم ــ والعدوان الاسرائيلي على لبنان في أوجّه ــ فاجأ المواطن إلياس خوري الجمهور ببيان سياسي (مع زياد ماجد) أوضح فيه موقفه مثقفاً ويسارياً في الحرب الأخيرة على لبنان. وكان أن تنفّس كثير من قرّائه الصعداء، وكانوا قد اشتاقوا الى نبرته تلك، وخيّل إليهم أنّه أطال الاقامة فوق أرض تتناقض قيمها مع كل ما آمن به، وناضل في سبيله، منذ السبعينيات. واللافت في التجربة الروائية لصاحب “الوجوه البيضاء” (1981) اتساع عوالمه وانفتاحها على شخصيات غير منمّطة، لا تأتي من مصدر أو خلفية مكانية وحياتية واحدة. رواية “باب الشمس” حكاية فلسطينية من و“يالو” تروي حكاية شاب سرياني تعود جذوره إلى القامشلي. ويبدو أدبه مسكوناً بكائنات على درجة من الخصوصية، وشخصيات غير مألوفة في الرواية اللبنانية عموماً.
ويبدو أن هذا الانفتاح وتلك التعددية تلقيان بظلالهما على رواية الياس خوري الأخيرة. في فصل منها منشور في العدد الأخير من مجلة “الكرمل”، يعثر القارئ على ما يمكن تسميته بجمهورية إلياس خوري الفاضلة. إذ تتوزّع أحداث الرواية على لبنان وفلسطين. فما إن نبدأ بقراءة هذا الفصل حتى ترد أسماء القدس وبيروت، وحلب أيضاً.