نور خالد
لا تظهر المرأة في دراما رمضان بغير ما يحبّذه جمهور العائلة. الفتيات يتماهين مع قصص خوارق البطلات. ربّات البيوت يتوهّمن أنهنّ قادرات أن يكنّ، ذات يوم، على شاكلة نادية الجندي، تضرب الرجال وتصعد الى القمة... فوق رؤوسهم. يتحسّرن على عجزهنّ، لكنهنّ ينسجن ذلك الرابط الوهمي مع صورة “البطلة”. تلك الخارقة التي تفكفك الألغام وتجترع المرّ، قبل أن تنتزع لكيانها السيادة ولفكرها الحرية. هنّ أيضاً، حبيسات سلطة الزوج والأب، والمطبخ وهموم العيال، يعين جيداً حجم المرارة المتكدسة في قلوبهنّ وعقولهنّ، ويأخذهنّ الحنين والأمل الى ترقب ورصد صور وسيناريوهات التحرر التي تنسجها حكايات النساء في مسلسلات رمضانأما الرجال فتراهم يضحكون في سرّهم، فامرأة المسلسلات، اللاهثة لتحصيل النياشين، ستعلقها في نهاية المطاف، غالباً في الحلقات الأخيرة من المسلسل، على كتف الرجل. ستشبّ “القطة” وتظهر مخالبها وتبيّن أنيابها في وجه الفقر وزوج العمة والحارة والعنوسة والترمل. لكنها، في النهاية، ستتمسّح بالكتف الدافئ لهذا الرجل.
يكتب صنّاع الدراما، الرجال غالباً، قصصاً عن سير النساء “الخارقات” اللواتي يحقّقن النجاحات من دون أن يتزحلقن عن سلّم القيم ويتنازلن عن شيء من فضائل المجتمع. فيكنّ، هكذا، الصورة التي تليق أكثر بـ“سمو الرجل”، لا وسامته فقط. هكذا هي يسرا، على مدى السنوات الست الأخيرة، ونبيلة عبيد وسميرة أحمد وحتى فيفي عبدو. وهكذا صارت إلهام شاهين، بعدما حاولت، مستفيدة من تجربتها السينمائية المتواضعة، نوعياً لا كمّياً، أن تغرّد خارج السرب، فعادت إليه. قدمت صاحبة “موعد مع الرئيس” في السنوات الثلاث الماضية خمسة مسلسلات، كانت فيها الفلّاحة والنائبة والقنّاصة ووجوهاً أخرى. طابقت ذائقة الجمهور والمنتجين والمعلنين، فحصّلت الأجر الأعلى بين ممثلات رمضان. هذا الأجر حمّلها مسؤولية أخرى: أن تسعى نحو التجديد. المختلف الذي يسلّي ولا يصدم. الغرائبي الذي يدهش، أو هكذا تظن، ولا يفجع. تراجعت شاهين عن صورة متفردة، لعبتها بحرفية وصدق وكرّستها مع “ليالي الحلمية” (حيث كانت بديلة آثار الحكيم) و“نصف ربيع الآخر” وأفلام سينمائية عديدة مثل “الحجر الداير” و“القتل اللذيذ”. كانت في تلك الأعمال صورة عن الشرّ الجميل. الشر الحقيقي الذي يحب ويضعف، يتوهج وينطفئ، لكنه لا يبحث عن ذريعة أو مبرر أو عقاب. هو الشر الجيني الذي تمتلئ به شوارع الحياة، إلى جانب الخير. تجرّأت شاهين على تجسيد تلك الصورة، قبل أن تتراجع خوفاً من انحسار التعاطف الجماهيري وأجر المنتجين.
في مسلسلها الأخير “أحلام لا تنام”، حرصت المؤلفة سماح الحريري على تبرير الشر الذي دفع المرأة “الجميلة” الى إطلاق شظاياها على من يستحق. ستأتي شاهين من الصعيد، حيث للثأر حكاية لا تنضب. لكنها، وتحت وطأة التجديد الذي يبرّر أجر المنتجين وأجر الجمهور، ويخدمهما، ستقدم نسخة عصرية لوجه الثأر الصعيدي. وعبر رابط ساذج ومترهّل، يذهب صنّاع العمل إلى أقرب “منهل” متعارف عليه للموت وفرقه (الصعيد في الفكرة السينمائية المصرية الشائعة) ويغرفون منه الماكياج الذي “سيمصرنون” به وجهاً مستأجراً من سينما “هوليود”: القنّاصة. ستقنص شاهين الرجال “الأشرار”، وسط جو يعيدنا إلى ثمانينيات سينما مصر، حيث نجلاء فتحي “المرأة الحديدية” تلعب الكاراتيه، وحيث الجندي وعبيد تقودان الشارع المصري، طوال عقد من الزمن، كما تقود شاهين مسلسلات رمضان.