strong>وائل عبد الفتاحربما هي وحدها الآن تسبح عكس التيار. نجمات هذه الأيام في حالة قلق عكسي، قلق يرغب فى التوافق مع المجتمع وصنع آلهة للعفة. السينما كانت جنة مشرّعة على اكتشاف الحواس، تقفز من فوق أسوار المجتمع الى مغامرات من اختراع الخيال. الآن تبدو السينما المصريّة عند المحطة الأخيرة من رحلة رابعة العدوية... من التمرد الى الثبات. حتى تلك الرحلة الصوفية، يتم اختصارها الى نقطة الوصول، بعد إسقاط تفاصيل السفر ومغامراته ولذة الاكتشاف والانتقال من حالة الى أخرى.
تنطفئ نجمات هذه الأيام كما تتكسّر الأمواج على صخور العفة بعيداً عن الحياة. نجمات يعلنّ عن رفض المشاهد الساخنة كأن الفن هو غرفة الحب الحرام التي يجب ألّا يدخلها أكثر من اثنين.
هنا يبدو لمعان مِنّة شلبي. ليست كموديل إغراء كما تصورت الأقلام المحافظة لحظة ظهورها الأول فى فيلم رضوان الكاشف “الساحر” (2002)... لكنها كأنثى ضد عودة المرأة الى الحريم، وإن كان حريماً معاصراً. أنثى تنفلت في علاقة صاخبة مع فنّ التمثيل، ولا تربطها سلاسل المحافظة، ولا تغرق في تلك الموضة البليدة، في وضعية النجمة التي تنتظر التوبة عن تألقها يوماً في عالم الفن... توبة عن الحرية.
مِنّة حطمت آلهة العفة. كسرت فكرة التوافق، وحفرت طريقاً خاصاً يفضي الى فتنة تفتح أبواب الحياة ولا تغلقها. فتنة لا تدّعي العفة فيما هي تمارس الرذيلة. حرية لا تبيع نفسها تحت أي شعار استهلاكي. مِنّة... فتنتها ضد الاستهلاك السريع. في فيلم “عن العشق والهوى”، تترك علامتها على قلوب الرومنطيقية التقليدية. وتجرح الفرجة الخالية من الحواس، المدمنة على السينما “النظيفة”. تجرحها في أعز ما تملك. توقظ الحواس ليس في الغرفة الحرام، بل في الهواء الطلق. سيرتها ليست للتجارة السهلة. ومحاولتها التعلم واكتشاف ذاتها بخطايا الاكتشاف وألعاب التمرد الطفولي هي محاولات معلنة، تقوم بها أمام الجميع... إنها فتنة خام، مندفعة ومتحفزة. لا تخاف ولا يهمها النظرات.
وجهها يقول في كل مرة حكاية غير مكتملة لا تنتظر الاكتمال. تلهث وراء حكاية أخرى. لكن كل الحكايات تخصها. هي البنت الشقية التى تعرف كيف تشق طريقها وسط ممرات الحياة الضيقة. ضمانها الوحيد أنها تعطي نفسها لما تحب. تنطلق بلا فرامل، ربما الى اتجاه ليس صحيحاً دائماً، لكنه مريح لها ولغوايتها المرعبة في الوصول الى حالة اندماج تام مع التمثيل. هي من نوع لم يعد منتشراً. نوع يمنح نفسه لما (أو لمن) يحبّ، حتى لو أدى الأمر الى كارثة!
تمنحها الألوان الفاتحة إحساساً بعقلانية لا تطيق هي قواعدها الصارمة. تسعى بغريزة متيقظة الى اكتشاف ما حولها، حفرت جسدها الذي بدا مثيراً في اكتنازه لحظة ظهورها الأول. حفرت فى جسدها واكتشفت جسداً جديداً ينافس على رشاقة خاصة. وجهها بدا غريباً على الجسد الجديد. أصبح مثيراً للشفقة بغربته تلك. الشفة الواضحة والأنف المنطلق. بدت رشاقتها مغامرة. كما كان ظهورها بجسد مراهقة مصرية خارج كاتالوغ النحافة الأوروبية مغامرة من نوع آخر.
اشتاق الرجال الى نساء لا يعتبرن النحافة مثلهن الأعلى. حفرت مِنّة جسدها الجديد. وتركت لطاقتها اكتشاف الطريق لأنوثة متحفزة. أول خيط ينطلق من عينين واسعتين. توحيان بدهشة وشقاوة، معهما تبدو متحررة أكثر من كلماتها.
هذا الانفلات يسيطر على المكان. أنوثة لا تستطيع تجنبها بسلام... لا بالنسبة إليها ولا إلى من يراها. هي تخرج من حفرة لتقع في “دُحديرة”. لكنها تتقدم فى طريق الاكتشاف. طفلة متمردة لا تضع أنوثتها في علبة زجاج للفرجة من بعيد، أو للصفقات الرائجة بين الرجل و المرأة.