أمل الأندري
من منّا لا يتذكّر صورة ذلك الشاب المجهول الذي رمى سترته على كتفه، واقفاً ذات يوم من شهر حزيران في ساحة تيان إن مين في بكين، متحدّياً بجسمه الأعزل صفاً طويلاً من الدبابات. كان ذلك عام 1989، خلال حركة الاحتجاج الطلابية التي انتهت بحملة القمع التي نعرفها. يومها شاء الحظ أن يكون تشارلي كول هناك، لتصوير المشهد الذي أدخله التاريخ. أما “المتمرّد المجهول” أو “رجل الدبابة”، فقلّما سمعنا عنه منذ ذلك الحين. قيل إنّ حكومة جمهورية الصين الشعبية أعدمته، ثم تبيّن أنه سجن ثم خرج الى تايوان حيث أدلى بأحاديث صحافية. لكننا في النهاية نسيناه. لا نعرف شكله اليوم ولا ماذا يفعل... أما الصورة، فبقيت رمزاً عالمياً للنضال من أجل الحرية، وربح الريبورتاج جائزة منظمة “وورلد بريس” التي تمنح منذ عام 1955 لـ“صورة العام”، وهي بمثابة جائزة نوبل للصورة الصحافية، على رغم أنها لا تتجاوز 10 آلاف يورو. اجتمعت لجنة التحكيم خلال شهر شباط الماضي في أمستردام، لتختار صورة عام 2005. ومن بين 83 ألفاً، فازت صورة الكندي فينبار أوريلي التي التقطها في نيجيريا، وتظهر طفلاً لا نرى منه سوى يده الهزيلة موضوعةً على فم أمه. وتعرض “صورة العام 2005” هذه الأيام ضمن “مهرجان فيزا للصور الفوتوغرافية” الذي تحتضنه مدينة بيربينيان في الجنوب الفرنسي.
والسؤال المطروح هنا، ما هي المعايير التي يُستند اليها في اختيار الصورة الفائزة بـ“نوبل” الفن الفوتوغرافي الصحافي؟ المجاعة، الظلم، الموت، البؤس الإنساني... وماذا بعد؟ منذ إنشائها، ومنظمة “وورلد بريس” تمنح جوائزها لأعمال متشابهة المواضيع: لقطات تبرز ـ بواقعية فجّة ـ الظلم الذي يلحق بالإنسان. الكلّ نسي طالب ساحة تيان إن مين، لكنّه بقي في ذاكرتنا كرمز للنضال من أجل الحرية وضدّ الظلم... والأرجح أنّ ما علق في ذهننا خلال مجزرة قانا الأولى عام 1996 صورة يتيمة لرجل يلوّح بأشلاء طفلة، ومن “قانا 2” صورة أطفال مرميين تحت الأنقاض بعدما فاجأهم الموت وهم في عزّ رقادهم.
إنّها الصورة الصحافية. ترى هل يكون وقعها أقوى دائماً عندما تلتقط موتاً أو ظلماً كان يمكن أن يطالنا!