الجزائر ــ أبو بكر زمال
سيكون الموسم الأدبي في الجزائر ساخناً هذه المرة مع إعلان شيخ الرواية الجزائرية الطاهر وطار عن صدور الجزء الأول من مذكراته التي جاء عنوانها شاملاً: “آراه”، بينما يحمل الجزء الأول العنوان: “الحزب وحيد الخلية، دار الحاج محمد أونيس”.
ما إن أعلن صاحب “الشمعة والدهاليز” (1995) هذا الخبر حتّى تلقّفته الوسائل الإعلامية مفيدةّ أنّ المذكرات ستصدر في ثلاثة أجزاء. وكشف الروائي المثير للجدل المعتكف حالياً في مكان إقامته على أحد شواطئ الجزائر ــ حيث اعتاد قضاء فترة استجمامه ــ أن هذه المذكرات مطعّمة بجرعات قاسية ومؤلمة تتناول إحدى أخصب مراحل الدولة الجزائرية. وكشف أنه لم يهادن أحداً وهو يكتب عن هذه الفترة، وأنه تعمّد أن يُدرج الوقائع كلّها كما هي وكما عايشها بتفاعلاتها وأشخاصها الأحياء منهم والأمواتوأضاف الروائي الذي تُدرّس أعماله في العديد من جامعات العالم أنّه أراد أن يعرّي كل من مارس عليه القهر والظلم والاضطهاد ــ على حد تعبيره ــ من ساسة وكتّاب ومثقفين، ولا سيما الاتهامات بأنه شيوعي التي أُلصقت به، ما كلّفه الطرد من صفوف الحزب الواحد آنذاك. ولم يُخفِ درجة مرارته وهو يكتب هذه التفاصيل حتى إنه بكى ــ كما قال ــ وهو يستعيدها ويحفر في جدارها السميك، ويعود إلى أقصى زوايا الذاكرة مستخرجاً أجواء تلك الفترة.
إلى زوايا الذاكرة
لن تكفّ عواصف الروائي الجزائري عن الهبوب العنيف. فرئيس واحدة من أهم الجمعيات الثقافية في الجزائر “الجاحظية” لا ينفك يثير من حوله حتى وهو في عزلته الكثير من الأسئلة. ولا يخفى على أحد أنّ خصومه كثيرون من مختلف الاتجاهات والتيارات وحتى من الجيل الذي ينتمي إليه ومن الأجيال اللاحقة. ناصبه بعضهم العداء منذ أكثر من عشرين سنة، فيما اكتفى بعضهم الآخر بشن حملات منظمة شرسة تعقب أي تصريح يصدر عنه. كلّنا يتذكر جيداً الحملة الواسعة التي شُنّت ضده في الجزائر، وفي بعض الدول العربية، لأنّه برر عملية اغتيال الصحافي والشاعر الجزائري الطاهر جاووت، إذ قال حينها إنّ اغتياله خسارة لفرنسا وليس خسارة للجزائر.
مع ذلك بقي الروائي الطاهر وطار وفيّاً لقناعاته السياسية والفكرية والثقافية طوال العقد الدموي الذي عصف بالجزائر، وأكد مراراً أنه دفع الثمن غالياً بسبب موقفه من توقيف المسار الانتخابي، إذ دان حينذاك هذا العمل وتمنى أن تُترك السلطة بيد الإسلاميين بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ... “حتى نرى ماذا سيفعلون”. وقد عبّرت روايته “الشمعة والدهاليز” عن هذه القناعة حتى قيل آنذاك إنّه انقلب على توجهاته الايديولوجية ومبادئه اليسارية التي اشتهر بها. بينما رأى بعضهم الآخر أن ما فعله يعتبر قمةً في الانتهازية وقد كتبها الطاهر وطار إرضاء للتيار الإسلامي، وكانت بمثابة الدرع الواقي له من خطر الموت الذي كان يعصف بالكتّاب والمثقفين والصحافيين في تلك الحقبة التاريخية من تاريخ الجزائر، حتى إنّ بعضهم تساءل عن وجود صفقة خفية بينه وبين الإسلاميين آنذاك، فيما روّج آخرون عن احتمال وجود علاقة بينه وبين التيار الإسلامي المسلح. وكانت حجّتهم في ذلك رواية “الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي” (1999) حيث أدى مفتي الجيش الإسلامي للإنقاذ أحد أدوار الرواية من خلال المراسلات التي كانت تتم بين الروائي الطاهر وطار وهذا المفتي الذي يدعى عيسى لحيلح. وقد احتفت الجاحظية برواية هذا الأخير “كراف الخطايا” لحظة صدورها.
على كل حال، فإن هذه المذكرات ستجيب عن الأسئلة التي تحوم حول كل هذه الحوادث ومدى صحّتها، وستكشف الكثير من الخفايا والأسرار التي يحتفظ بها الروائي وطار عن أحداث سياسية كان أحد أقطابها وصنّاعها.