علي زراقط
“لا أعرف ماذا يمكنني أن أصور بعد” هذا ما يقوله حسن إحدى الشخصيات الرئيسة في فيلم “غير صالح” للمخرج عدي رشيد. يحاول حسن المخرج الشاب في بغداد ما بعد الاحتلال الأميركي أن ينقل الواقع في شوارع العاصمة العراقية وصنع فيلم وثائقي عن حياة العراقيين اليومية وظروفها القاسية.
تحت رهبة الموت، تبدو الكاميرا خائفة، تحضر في شوارع المدينة كأنها تهمة متنقلة. تبدو كاميرا حسن عاجزة عن التقاط الجديد والحدث الذي لم يعد جديداً، فتنتقل إلى التقاط كل ما هو داخلي، من مشاعر وأفكار. بين الموت الحاضر في صورة الجندي الذي يحتضر، والموسيقي الذي يعاني السرطان، وبين صورة المرأة الملتبسة أمام الجنس، والرجل المتشرد الحائر الذي لا يملك إلا ظله على الأرض، تبدو شخصيات رشيد أطيافاً للوحدة والحيرةوبذلك يبدو أنّ الفيلم يوقّع في هذا المكان بياناً يوحي دهشة الحياة أمام حضور الموت. هذا ما عبّر عنه المخرج في إحدى المقابلات إذ قال “نحن كنّا نكره صدام، لكننا لا نصدق بعد أننا نستطيع أن نفرح لرحيله!” هذه الحالة الشعرية ينقلها الفيلم من شوارع في بغداد إلى الشاشة.
“غير صالح” الذي أنتج بالتعاون مع مجموعة من الفنانين العراقيين المجتمعين تحت اسم “الناجين” هو الفيلم الروائي العراقي الأول منذ فيلم “الملك غسان” الذي أنتج بطلب من صدام عام 1994. يروي الفيلم حكاية أفراد في بغداد ما بعد الاحتلال حيث الموت والعمليات الانتحارية. تبدو الشخصيات معزولة في عوالم صعبة التحديد، وضمن أفكار وهواجس تتجسد في بعض المشاهد كالمشهد الذي يظهر فيه نصير وهو يحمل الجندي عبر النهر، في مقاربة شعرية للموت.
من بلد تحولت فيه صالات السينما إلى عرض لأفلام البورنو، يخرج رشيد ليوصل رسالة مزدوجة إلى المدينة التي يحب ويرفض الخروج منها، كما إلى السينما كفن يحتضر في ظل الحرب. يمكن اعتبار الفيلم بحثاً عن الضوء، أو عن الصورة في استعارة تتبدّى واضحةً في اسم الفيلم بالإنكليزية Underexposure الذي يعني حرفياً “تعرّض قليل للضوء”.
تبدو هذه الاستعارة سمة الفيلم الأهم، في توسله التقنية السينمائية للتعبير عن الحياة. تبدو هذه الرغبة في إقحام السينما عاملاً داخل قصة الفيلم، وداخل بنيته السردية كما لو كانت نابعة من الكبت السينمائي الذي دام عشرات السنين، كي تبدو المشاهد كأنها توكيد للسينما وتوثيق لوجودها.
تجدر الإشارة الى أنّ “غير صالح” فاز بجائزة «أفضل فيلم» في مهرجان سنغافورة السينمائي الدولي وبجائزة «المخلب الذهبي» في مهرجان السينما العربية في هولندا. وها هو اليوم يحطّ رحاله في بيروت، ليعرض مساء اليوم ضمن مهرجان «أيام بيروت السينمائية».