القاهرة ــ محمد محمود
رحل فؤاد المهندس بهدوء بعدما عاش حياة صاخبة ملأى بالإنجازات على أكثر من صعيد. عدا أنه أحد أبرز نجوم الكوميديا في القرن العشرين، نجح الراحل في رسم مسار مختلف خلال مشواره الفني الطويل جاعلاً منه «أستاذ الأساتذة».
استطاع المهندس تأسيس مدرسة كوميدية خاصة به، رآها كثيرون امتداداً لمدرسة الريحاني الذي تعلّم منه حب التمثيل. وعلى رغم أن مدرسة المهندس كانت تتقاطع مع مدرسة عبد المنعم مدبولي وتتوازى معها، فقد تفوّق المهندس على الأخير في السينما، منتزعاً بطولات مطلقة، وهي ميّزة لم تتوافر إلا عند قلّة من نجوم الكوميديا.
أضف إلى ذلك أن الذين تخرّجوا على يد المهندس، تحوّلوا في ما بعد إلى أساتذة في التمثيل. ويكفي هنا أن نذكر أسماء مثل: عادل إمام وشويكار وشيريهان وسناء يونس وسعيد صالح وجمال إسماعيل وأحمد راتب وسيد زيّان...
قد لا يكون المهندس المكتشف الأول لبعض هذه الأسماء، لكن ظهورهم معه في مسرحيات وأفلام، أمّن لهم النجومية السريعة. ولأنه ظلّ دائماً واثقاً من «أستذته»، لم يخجل من الظهور معهم لاحقاً عندما أصبحوا نجوماً (عادل إمام وأحمد زكي وغيرهما)، وعاد إلى الدور الثاني الذي طبع مرحلة أساسية من بداية مسيرته.
وفاة المهندس كانت هادئة. وقال أحد أفراد أسرته لـ «الأخبار»: «توفي متأثراً بأمراض الشيخوخة، في ساعة مبكّرة من صباح السبت داخل شقته، من دون أن ينقل إلى المستشفى».
عوارض عدة مهّدت لوفاته، أحدثها كان الحريق الذي شبّ في منزله قبل ساعات من وفاة رفيق دربه ومنافسه عبد المنعم مدبولي. ولولا عناية الله، وتدخّل زوجة ابنه لما تمّ إنقاذه، وخصوصاً أنه كان يتحرك بصعوبة بسبب المرض الذي ألمّ به في الفترة الأخيرة، كما أنّه أصيب بالاكتئاب بعدما وضع على الرفّ مهنة التمثيل، مبتعداً عن عشقه الأول والأخير. كل هذه الأمور جعلت خروجه إلى الناس نادراً. وهو لم يكن في كامل لياقته عندما ظهر أخيراً على التلفزيون، مع هالة سرحان ومحمود سعد.
كان دائماً يقول إنه لا يزال موجوداً، ينتظر العودة إلى المسرح. لكنه لم يعد أبداً، وكان العمل الفني الوحيد الذي استطاع القيام به طوال ربع قرن هو تقديم فوازير الأطفال «عمو فؤاد» في رمضان على القناة المصرية الأولى.
في جنازة فؤاد المهندس، كانت الأنظار كلها موّجهة نحو شويكار شريكة النجاح التي لم تنكر فضل «الأستاذ»، رغم انفصالهما قبل ثلاثين عاماً. لكن شويكار رفضت الكلام، وعنّفت مراسل «الجزيرة» الذي وضع، كغيره من مراسلي محطات التلفزيون، الميكروفون أمام فمها، بحثاً عن أي كلمة...
شويكار وصفيّة المهندس وعادل إمام وحسين فهمي كانوا أول من وصلوا إلى منزله في منطقة الزمالك ظهر السبت. اصطحبوا الجثمان إلى مسجد مصطفى محمود، ومنه إلى مقابر أســـرته العـــريقة، بحضـــور نقيب الممثلين المصريين أشرف زكي وعدد كبير من الفنانين وممثل رئيس الجمهورية.
ولأن الكوميديا كانت رفيقة المهندس الدائمة، فلم تخلُ جنازته من ابتسامة. لم تكن طبعاً متعمّدة. إذ تعجّب الصحافيون من وجود وزير الاتصالات المصري طارق كامل في الجنازة، وخصوصاً أنهم لم يعتادوا «مشاهدته» في مثل هذه المناسبات، بل إن كثيرين لم يتعرّفوا عليه. وبرّر أحدهم الموقف بأن الراحل على ما يبدو لم يسدّد فاتورة الهاتف... لذا حضر الوزير!