فرح داغر
بعض الفنانين كان حاضراً خلال العدوان الأخير على لبنان. قاوم هؤلاء كلّ على طريقته. منهم من لجأ الى أدواته الموسيقية ليعلن عن احتجاجه ورفضه وصموده. ومنهم من ارتأى ترك أدواته جانباً لينزل مباشرة على الأرض ويشارك في حملات الاغاثة.
«منعيش...» ( We live) ألبوم صدر بعيد العدوان وضم مجموعة من الفنانين هم غازي عبد الباقي، شربل روحانا، زياد سحاب، وعبود السعدي، الذين أرادوا التعبير عن موقف واحد مفاده: «العدوان واقع وصمودنا حتمي». يقول الموسيقي غازي عبد الباقي: «السؤال الذي راودني بعد أيام على بدء العدوان الاسرائيلي هو: هل ستقصف بيروت؟ لم تكن لدي إجابة أكيدة عن هذا السؤال لكنني كنت أعرف انه سيان بالنسبة إلي إن قُصفت وإن لم تُقصف، كنت قد حسمت قراري بعدم ترك بيروت».
قرر هؤلاء الفنانون، بإمكانات قليلة، انتاج أسطوانة موسيقية تعبّر عن تضامنهم مع النازحين، إذ إن أرباح «منعيش...» يعود ريعها إلى دعم جهود الاغاثة، كما جاء على غلاف الألبوم. لكن ماذا عن المحتوى الفني لهذه الأسطوانة؟ ضم الألبوم مقطوعتين موسيقيتين وأربع أغنيات. أغنية «لبنان فوق هامة الدنيا» لحّنها ووزّعها شربل روحانا، وكتب كلماتها الشاعر الكويتي مشعل الكندري الذي صادف وجوده في لبنان اثناء العدوان الاسرائيلي. ورفض الكندري عندها مغادرة لبنان، وبادر الى تأسيس جمعية «وفاء» لجمع التبرعات وتقديمها الى المنظمات التي كانت تتولى أعمال الاغاثة.
أما الاغنية الثانية «ساكنتي» فهي أيضاً من ألحان روحانا وتوزيعه، ومن كلمات الشاعر ابراهيم سمعان وتشبه في توزيعها نمط روحانا القديم أكثر من الاغنية الاولى. لكن كلتيهما يشكل إحساساً جديداً لم نعتد عليه في الأعمال السابقة لروحانا.
وتتجلى مشاركة زياد سحاب في أغنية «سفر» التي هي من تأليفه وتوزيعه وأدائه. وضع سحاب لحنه على كلمات الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم، مقدماً أغنية هادئة، مزاجها شرقي وتوزيعها مبسّط يتهادى فيه القانون والعود والكمنجة والايقاع، ويرافقها الباص الكهربائي من خارج التركيبة الشرقية. في الاسطوانة أيضاً مقطوعة تحمل توقيع غازي عبد الباقي، عنوانها «بيروت تحت الحصار»، أقرب الى موسيقى تصويرية تنقل مناخات بيروت اثناء الحصار. تبدأ بضربات خافتة ومتقطعة على آلة الكاتم الايقاعية، يتبعها ويرافقها دخول وتريات منخفضة، فالغيتار وضرب خفيف على الصنوج، لتكتمل صورة القصف والرعب والحذر والحزن والصبر والأمل... وصورة بيروت تحت الحصار. ويشارك عبد الباقي أيضاً في أغنية «شكوى» المستعادة من عمل سابق له (2004)، وهي من ألحانه وتوزيعه وأدائه. أما النص الشعري فهو لإيليا أبو ماضي. وتشارك فيها غادة شبير بمداخلات صوتية تأوّهية، ويشارك عازف الكمان اللبناني كلود شلهوب مرافقاً تارة ومنفرداً وأكثر ظهوراً تارة أخرى.
وآخر المشاركين في أسطوانة «منعيش...» عازف الباص الكهربائي عبود السعدي. يحضر السعدي مؤلفاً، بـ«أغنية نجوى» التي تستعيد مزاج أسطوانة هدوء نسبي لزياد الرحباني (1985) أحياناً، ويتخللها عزف صولو للساكسوفون والبيانو الكهربائي.