القدس المحتلة ــ نجوان درويش
شهد العقد الأخير فورة موسيقية غير مسبوقة في فلسطين المحتلة، تزامنت مع تحويل الضفة الغربية إلى كانتونات مفصولة وغزة إلى سجن. وقد يكون هذا القمع هو ما ولّد فرقاً موسيقية تتكون من شبان أرادوا التعبير عن سخطهم واحتجاجهم بالموسيقى. وعلى رغم تنوّع هذه الفرق من تقديم الفولكلور والتراث وصولاً الى الجاز والراب والهيب هوب، وحّد “العارض الفلسطيني” هذه المواهب، ولجم في الوقت عينه قدرتها على إنتاج فن فلسطيني مقاوم وفاعل. إذ يدخل أعضاء الفرق مضمار الفن بوصفهم “ممثلين لفلسطين” أو “مناضلين”، من دون أن يطرحوا على أنفسهم أسئلة أساسية عن المغايرة والاختلاف.
“يلالان” فرقة موسيقية شابة، قدّمت الاسبوع الماضي عرضين، الأول على “المسرح الوطني الفلسطيني” في القدس المحتلة والثاني على خشبة “دار الندوة” في بيت لحم. عشرة شبان (قانون وعود وكمان وكنترباص، وعازفا إيقاع وأربعة مغنين من بينهم صبيتان) زاوجوا بين “السيندروم” الفلسطيني و“الطرب الأصيل”. بدا ذلك واضحاً منذ وقوف أعضاء الفرقة على المسرح وهم يعتمرون الكوفيات الفلسطينية واستهلالهم الحفلة بـأغنية “أحمد العربي” لتتبعها مباشرة أغنية فولكلورية معروفة “ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيّ”، مروراً بأغنيات الشيخ إمام وقصائد أحمد فؤاد نجم “بقرة حاحا النطاحة”. حتى إنّ أحد العازفين لم يفوّت الفرصة لـ“إخبار” الجمهور أن “حاحا هي القدس التي هرب صاحبها حين جاء الخواجات”.
أكيد أن العازف ظنّ أنه بهذا التصريح سيعطي الأغنية دلالتها الفلسطينية، وقد كان الأجدى ترك الحالة الفلسطينية تتجلى من خلال سياق فنّي إشاري، بعيداً من المزاج الخطابي الذي أحكم سيطرته على التعبير الفنّي في فلسطين منذ انتفاضة 1987. وفي ما يخص بعض التراث الشامي، فقد بدت المبالغة في الأداء التطريبي مجرد “كيتش” ليس له ما يبرره.
الاستحسان العام الذي لاقته الفرقة من الحضور، قد يعود إلى المعنويات الوطنية التي ارتفعت بشكل غير مسبوق في فلسطين المحتلة، بعد هزيمة الاسرائيليين في لبنان. وعلى رغم موهبة بعض الأصوات والعازفين الذين يعملون بجهود فردية، في غياب أي دعم محلي تقريباً، لا بد من التساؤل عن المعنى الفنّي من تقديم التراث من دون رؤية معاصرة. وأين هي قيمة العرض الموسيقي الذي لا يلتقط “اللحظة”؟ وما الفرق بين سماع هذه الأغنيات من شريط قديم في سيارة أحد معارفك وبين سماعها حيّة من فرقة تبدأ حياتها الفنية بهذه الطريقة؟