حسين بن حمزة
في مجموعته الثانية “طريق قصيرة إلى عراس” (منشورات بيت الشعر السوري- 2006)، يواصل الشاعر السوري حازم العظمة نحت النبرة عينها التي قدمته شاعراً مختلفاً وخاصاً، ليس فقط داخل تجربة جيل التسعينيات (فهو من مواليد 1946)، بل داخل الممارسة الشعرية السورية عموماً.
نبرة تلقائية بقدر ما هي مدروسة، ومتمهلة بقدر ما هي متدفقة وغزيرة، خافتة وتضم ــ في الوقت عينه ــ عوالم شديدة الخصوبة والاتساع والحركة. إضافة إلى كونها نبرة مجانية لا تركض، بتعسّف، خلف صورة أو استعارة ولا تأتمر سوى بمزاج الشاعر الذي يطيب له تقليب تربة الكلمات، وتنسيق نباتاتها كبستاني يؤدّي عمله على سبيل التأمل والعزلة... وليس في باله حساب محصول القصيدة من الصور والانزياحات المعجمية.
نشر العظمة مجموعته الأولى “قصائد أندروميدا” (2004) وهو في الثامنة والخمسين. وها هو ينشر الثانية في الستين، منتمياً إلى “جيل” أكثر شباباً في العمر. واللافت في تجربته، أيضاً، أنه لا يكترث بإيجاد شبه لقصيدته في التجارب الشعرية السورية المهمة في العقدين الماضيين. والأرجح أن الناقد صبحي حديدي كان صائباً حين أكد صعوبة ردّ ما يكتبه حازم العظمة إلى أب شعري سوري معروف.
إنه ينزّه قصيدته في فضاء النماذج والأصوات المهمة في الشعر السوري والعربي اليوم، لكن قصيدته نادراً ما تختلط بالجمع. قد تتنفس الهواء نفسه مع هؤلاء، لكنه، في غضون ذلك، يدندن لحناً مختلفاً وقريباً إلى مزاجه. فهو يميل إلى صياغات شعرية غير حاصلة على شرعية معطاة مسبقاً ولم يهرها الاستعمال المتكرر. وهكذا، بعدما قرأنا في مجموعته الأولى قصائد عن “عشب طري بحفرة دبابة” و“ذرق الطيور عليها تضيئه النجوم”، نجد في مجموعته الثانية العالم المستقل والفسيح نفسه تقريباً، كأن نقرأ عن “طريق بموائد حجرية وتلال” و“أثر من أسنان على كتفي كميدالية” و"ثمة الآن/ بعد أن هبط الليل/ خطوط التلال حسبُ/ والنجوم/ اليراعات الآن/ والعشب اليابس/ تهذي بصوت خفيض”.
يكتب حازم العظمة نصاً برياً شاسعاً بنباتاته وعزلاته وصخوره وسمواته، والمدهش أن هذا النص مكتوب بحساسية قادرة على اكتشاف الشعر في أماكن لم يعد يرتاده شعراء هذه الأيام. فالشعر، في حسبان الكثيرين، بات شأناً مدينياً، وحياة يومية حديثة وسريعة، وكائنات مطحونة تقضي أوقاتها في العمل والضجر والعزلات الإسمنتية والافتراضية المعولمة.
حازم العظمة ينأى بقصيدته عن المشاغل المكرورة للشعر وقوالبه ونبراته الشائعة. فهو لا يجفل إذا تداعت قصيدته وطالت، ولا يبذل جهداً يزيد على المقدار الشعري واللغوي الذي يتطلبه مزاجه ونبرته، ويستطيب مفردات مثل: كثيب، ثيّل، رخمة، بنات عرس، خِلدان، خط الزوال، المرياع، الحمادة. حازم العظمة يكتب بحسب مزاجه لا بحسب مقاييس سوق الشعر.