حسين بن حمزةبعد عقد على انطلاقته، ها هو «كتاب في جريدة» يخرج من دائرة الرواد، فاتحاً نعيمه لشعراء “الربع الأخير من القرن العشرين».
حوار مع شوقي عبد الأمير، مؤسس هذا المشروع المميّز الذي يحتفل قريباً بصدور عدده المئة


أعلن الشاعر العراقي شوقي عبد الأمير، المشرف العام على مشروع “كتاب في جريدة”، عن بدء العمل على إعداد أنطولوجيا لتقديم الشعر العربي الذي ينتمي الى مرحلة ما بعد الرواد. وكُلّفت هيئة بإعداد المشروع الذي سيقدم تحت عنوان “الشعر العربي في الربع الأخير من القرن العشرين»، على أن يبدأ نشر الأنطولوجيا في تسعة أعداد، تصدر بالتواتر مع أعمال أدبية أخرى، بدءاً من شباط 2007.
يشرح عبد الأمير أن النصوص الشعرية التي سيقدمها “كتاب في جريدة” ستقتصر على ما اختارته الهيئة المشرفة على المشروع، ليكون ضمن الأنطولوجيا الشعرية. وقد تم الاتفاق مع “المؤسسة العربية للدراسات والنشر” لجمع هذه الأنطولوجيا في ثلاثة مجلدات (ضمن سلسلة “الأعمال الشعرية” التي تنشرها الدار)، بعد اكتمال صدورها ضمن السلسلة آخر العام 2008. على أن يخصص مجلد مستقل للدراسات والأبحاث النقدية التي تكتب ضمن إطار المشروع حول “الشعر العربي في الربع الأخير من القرن العشرين”.
لكن ألا يخفي هذا المشروع رغبة غير معلنة في جمع شعراء هذه المرحلة، والتخلص منهم “بالجملة”؟ هل هناك خطر من أن يأتي المشروع جائراً في حق الجيل الذي جاء بعد الرواد مباشرة، وبعض شعرائه “مكرس”، لا تقل إنجازاته عن إنجازات الرواد، إذا وضعنا الأسبقية التاريخية جانباً؟
ينفي شوقي عبد الأمير أن ينطوي المشروع على هذه الأهداف: “ما نقوم به ليس محاولة للتخلص من شعراء هذه المرحلة، بل إعطاء هذه المرحلة حقها. كنا أمام خيارين: إما أن نختار في مرحلة أولى عدداً محدوداً من الشعراء الذين جاؤوا بعد الرواد، علماً أن عددهم بالمئات، وإما أن ننشر أولاً أكبر عدد ممكن خلال سنتين. فضّلنا الخيار الثاني، وقد نخصص فيما بعد أعداداً من «كتاب في جريدة» لعدد من المتميزين الذي تركوا بصمة واضحة في هذه الحقبة».
توقع كثيرون - وفي مقدمتهم بعض شعراء المرحلة الذين ستضمهم الأنطولوجيا الحالية – أن دورهم قد حان بعد الانتهاء من الرواد. ولا بد من أن هؤلاء سيعترضون على جمعهم معاً، على أساس أنهم لا يستحقون أن ينزلوا فرادى في أعداد منفصلة! فالمشروع، بغض النظر عن مزاياه العديدة، يخلط بين آباء وأبناء وأحفاد. وإذا كان للرواد مكاناتهم الشعرية وأسبقيتهم التاريخية، فإن لهؤلاء أيضاً عصبياتهم ومراتبهم... يقول شوقي عبد الأمير «إن هذا الجمع ليس المقصود به التقليل من أهمية أحد، ولكن من الصعب عادة إرضاء الشعراء جميعاً. لقد واجهنا في الماضي مشكلات كبيرة في اختيار الرواد أنفسهم، كما تعرف: فرغم أننا نشرنا لكل الرواد، انتُقدنا بقسوة، فقط بسبب تسلسل نشر الأعداد المخصصة لهم! قيل لنا لماذا بدأتم بفلان من الرواد ولم تبدأوا بعلتان. كنت أظن أن طريق الرواد سهلة، فإذا بها مليئة بالعقد. والآن أسأل نفسي كيف سيكون الحال أمام مئات الشعراء من الأجيال والتجارب اللاحقة الذين لا يمكن تخصيص أعداد من «كتاب في جريدة» لهم جميعاً وعلى حدة». هكذا يعترف الشاعر العراقي، في قرارة نفسه، أن المشروع الذي يعدّ له أشبه بـ «عملية انتحارية» إذا جاز التعبير!
ويزيد من تعقيد الموضوع أن زملاء كثيرين كانوا يتوقعون من شوقي عبد الأمير أن ينتصر لهذه المرحلة، فهو منها أيضاً، لا أن «يحابي الرواد والمكرسين» كما اتهم بشيء من القسوة. ينتفض الشاعر لدى سماعه هذا الكلام: «أنت تعطيني الفرصة لإزالة لبس يحيط بهذه القضية، لو كان «كتاب في جريدة» مشروعاً شخصياً لشوقي عبد الأمير، الشاعر المتحدر من الجيل الذي تتحدث عنه، لأختلف الأمر تماماً. لكنه مشروع أقرّته «منظمة اليونسكو» على مستوى العالم العربي، بعد تجربته في أميركا اللاتينية، وله أهداف خاصة ضمن تطلعات المنظمة التي تتمثل في إيصال المعرفة إلى أكبر عدد من القراء (وليس قراء النخبة)، ومواجهة انحسار قراءة الكتاب، والخروج من التمزق والتفتت في المناطق الموحدة لغوياً مثل أميركا اللاتينية والوطن العربي. أما بخصوص فلسفة النشر، فإن المشروع - بأسسه العالمية - يفترض البدء بنشر الكتب المكرسة التي ثبتت الحاجة إليها في منطقتها الثقافية، ولم تصل إلى شرائح واسعة من قراء هذه المنطقة. وهذا يعني أننا محكومون بطموحات اليونسكو في نشر المكرسين أولاً. فلسفة المشروع تمنح الأولوية لهؤلاء.
لكن الأمر اختلف الآن بعد نشر العدد الأكبر من الأسماء المكرسة، وبعدما أصبح المشروع مؤسسة ثقافية ذاتية ومستقلة تماماً... وإن كانت تتعاون مع اليونسكو. ألا يسهل هذا إمكان طرح أهداف جديدة وطريقة مختلفة في النشر؟ هذا ما أحاول فعله اليوم - يقول شوقي - أن انتصر لجيلي ومرحلتي... عندما تبنيت مشروع «ديوان الشعر العربي في الربع الأخير من القرن العشرين»، كنت أعرف أنني بصدد مشروع كبير لهذا الجيل. وهذا سبب توقيت المشروع الآن وليس في عام 1997 حين بدأنا المشروع مع اليونسكو».
لكن لماذا لم يُنشر لشعراء ما بعد الرواد في «كتاب في جريدة» بينما نُشر لروائيين من الجيل نفسه؟ «السبب هو العمق الريادي في الشعر... فهو أكبر بكثير من العمق الريادي في الرواية العربية. كما أن للشعر تاريخاً قديماً بعكس الرواية. لهذا أمكننا القفز فوراً إلى مرحلة ما بعد الرواد. أما في الشعر، فالعدد أكبر: رواداً وقدامى بحكم التاريخ الشعري العربي الطويل».
ويبقى السؤال الأكبر: ما هي المعايير التي سيتم على أساسها اختيار الأسماء والقصائد التي ستدخل الأنطولوجيا؟ هناك أدباء مكلفون بالمهمة في كل بلد: محمد بدوي وجابر عصفور (مصر)، هاشم شفيق وشوقي عبد الأمير (العراق)، شوقي بزيع وعبده وازن (لبنان)، بندر عبد الحميد وكاتب هذه السطور (سوريا)، أمجد ناصر (الأردن وفلسطين)، قاسم حداد وعبد العزيز المقالح (الجزيرة/ الخليج)، حسن نجمي واسيني الأعرج (المغرب والجزائر وتونس وليبيا). ولهؤلاء أن يقتربوا من «الموضوعية» والأمانة ما استطاعوا الى ذلك سبيلاً... فهل يثير مشروع «كتاب في جريدة» حملة أخرى ضدّه؟ بل هل يشعل حرباً جديدة على الساحة الشعرية العربية؟