منصور عزيزهل بتنا نتحدث اليوم عن لغة سينمائية جديدة بسيطة وأقل كلفة لكنها قادة على التعبير عن قضايا المجتمع والتقاط الصورة الآنية بصدق أكثر؟ وهل صرنا أمام واقع يفرض اعادة تعريف السينما؟ خصوصاً أنّ العديد من السينمائيين باتوا يتّجهون صوب صناعة الفيديو، إذ شهدت بيروت خلال العدوان الأخير “وابلاً” من أفلام الفيديو التي راحت توثّق يوميات الحرب وحياة اللبنانيين المحاصرين بين فكّي الحصار والقصف، وعُرضت “أفلام تحت الحصار” التي بلغ عددها 25 ضمن فعاليات “أيام بيروت السينمائية”.
نستطيع القول إن “الموجة” أخذت تكتسب شرعيتها في السلوك الثقافي. بالأمس بدأ عرض 24 “فيلم فيديو”، نظمتها جميعة “نملة قاطعة” في مسرح المدينة تحت عنوان “صوّر الحرب”. وتأسست الجمعية خلال الحرب وهدفت الى توثيقها عبر أفلام الفيديو.
هذا الخروج الى العلن، سبقته مبادرة أنضج بعنوان “أفلام تحت الحصار” احتضنتها “أيام بيروت السينمائية” اكتشفنا من خلالها أعمال وثّقت الحياة اليومية تحت القصف، وتنوعت بين الرسوم المتحركة (“رسم الحرب” للينا مرهج)، الرسائل الصوتية (“من بيروت ليللي بيحبونا” لبيروت دي سي) والشهادات (“أب 15 مدرسة رملة الظريف” لرانيا ستيفان).
المديرة الفنية لمهرجان “ايام بيروت” إليان الراهب، رأت أنّ “افلام تحت الحصار” التي جمعتها “سينماياة” و”سينما صمود” و”بيروت دي سي”، تشبه ما وصفته بـ “سينما النضال والمقاومة” التي تأسست في سبعينات القرن الماضي وتمحورت حول الصراع العربي - الإسرائيلي. الا أنّ المخرج اللبناني برهان علوية يقول إن عشوائية الأفلام وطابعها الآني الانفعالي، وأخذها مسافة من النضال السياسي ، كلها سمات تُصعّب المقارنة بين الجيلين. الجديد في عرض هذه الأفلام القصيرة، وتوزيعها الذي لم يكن متاحاً للجيل السابق، أنّ الانترنت بات يمثّل وسيلة لبلوغ هذه الأفلام جمهوراً عالمياً، متحوّلاً الى مساحة سينمائية إن جاز التعبير. حتى أنّ متصفّح الموقع يستطيع أن يصبح بدوره منتجاً ومساهماً عبر ارسال صور الفيديو والكليبات الملتقطة عبر الكاميرا الرقمية أو الهاتف الخليوي.
عروض جمعية “نملة قاطعة” تندرج ضمن هذا السياق، ويسعى مشروعها الأول “صوّر الحرب” الى دعم الفنانين غير المحترفين. الا أنّ دعوة “نملة قاطعة” كانت اشمل من “سينما صمود” و “سينماياة”. ففيما دعت الأخيرتان مباشرة الى “التضامن مع الشعبين الفلسطيني واللبناني والوقوف مع المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي”، لم تحدد “نملة قاطعة” “قواعد لنوعية العمل أو موقفه السياسي” وفق بياتريس حرب، احدى مؤسسي الجمعية.
وبينما طغت معاناة اللبنانيين اليومية على “أفلام تحت الحصار”، لم تصوّر أفلام “نملة قاطعة” الآثار المباشرة للحرب، بل بدت هذه الأخيرة كأنها تحصل في المشهد الخلفي للصورة... تماماً مثل القلق الذي يشوب حياتنا اليومية لكنّه لا يعلو على نداء الحياة فينا.