بيار أبي صعب
حين علمنا بالنبأ أفلتت منا صرخة انتصار مكبوتة. فنانو مصر في بيروت! كنا نحلم بمثل هذه المبادرة، مستعيدين تلك اللحظات البطولية، يوم اخترق فنانون مصريون الحصار الاسرائيلي المفروض على بيروت في العام 1982. تصوّرنا الحركة الشعبية التي يمكن أن يثيرها وجود نجوم الشاشة بين الناس، في شوارع فلحتها طائرات التتار، بين أنقاض الأحياء والقرى، في الأماكن التي باتت مأوى للمهجرين، عند المقابر الجماعية التي تكدست فيها جثث أطفال خطفهم الموت في رقادهم...
وذهب بعضنا أكثر من ذلك في أحلامه: لا بد من تنظيم موكب اعلامي وسياسي وشعبي، تشارك فيه الجمعيات الأهلية، والمنظمات غير الحكومية، وهيئات الاغاثة والنجدة الشعبية، والمؤسسات الثقافية الناشطة منذ الأيام الأولى للغزو. تصوّر الحالمون أن الموكب الذي يتصدره هؤلاء الضيوف الاعزاء الى الجنوب، سيمضي إلى أقرب نقطة ممكنة من أرض المواجهة التي يُعرف فيها البطل والمقاوم وصاحب الحقّ من النذل والمرتزق والغازي...
قلنا سيصافح عزت العلايلي وفاروق الفيشاوي ومحمود ياسبن مئات النساء والرجال، سيقبّل حسين فهمي ونبيلة عبيد وإلهام شاهين الأطفال الذين لم يغتسلوا منذ أيام، بل لم يأكلوا على الأرجح كفايتهم منذ أسابيع. وستصوّرهم الكاميرات المحتشدة، وهم يحملون الصغار على زنودهم. وسيعرف العالم أن الشعوب العربية كلّها تقف يداً واحدة وصوتاً واحداً مع المقاومين، وأن هؤلاء ليسوا حفنة خوارج بل شعباً يقاتل... وأن قتل الأبرياء وهدم بلد كامل على رؤوس أصحابه لن يحوّل الغزاة الى رسل حضارة وسلام... ولا الهمجيّة إلى حجر الأساس لـ “شرق أوسط جديد”!
تخيّل كثيرون أن كلاً من هؤلاء الفنانين سيقف ويخاطب الجموع، ناقلاً إلى الشعب اللبناني حبّ مصر، ودموع بهيّة، وغضب المتظاهرين في الأزهر الشريف. وهناك من فكّر في سرّه: سيعانق ضيوفنا، من حيث لا يدرون، رجال المقاومة، لأنهم هنا في كل مكان. كالأطياف لا يمكن رؤيتها... لكنّك تشعر بوجودها!
لكن حسين فهمي وأصحابه جاؤوا، قبل أيام، على متن طائرة رسميّة. تصدّر الوفد نجل الرئيس المصري جمال مبارك. قاموا ببعض الزيارات البروتوكولية. وعادوا من حيث أتوا.
- تخيّل يا أخي، الفرخة بربع جنيه!
- الله معقول كده؟
- بقلّك “تخيّل”!