محمد خير
توقّع كثيرون أن تلقي نجاح سلام كلمة عن العدوان على لبنان أمام جمهورها المصري... كان هذا طبيعياً والمجازر الاسرائيلية في أوجها، وهي سافرت أياماً كي تصل إلى الإسكندرية من بيروتكان ذلك قبل أكثر من أسبوعين حين جاءت لحضور حفلة تكريمها في افتتاح مهرجان الأغنية الدولي الرابع. يومها توقع الجمهور أن تطالب بوقف المهرجان، وتعلن حدادها وحزنها على أطفال لبنان. لكنها كالعادة كانت صريحة وإيجابية. أهدت تكريمها إلى السيد حسن نصر الله، تحمّس الجمهور وفوجئ بعض الحاضرين! لكن متى لم تفاجئ نجاح سلام جمهورها؟

قصة نجاح سلام مع مصر جميلة وغريبة... ولولا عودتها للاستقرار في لبنان، لما “اكتشف” جمهورها المصري أنها لبنانية! هذه الفنانة التي كانت رفيقة درب المخرج محمد سلمان، تجرّ وراءها تاريخاً حافلاً، وأسئلة معلّقة كيفما اتجهت. لماذا عادت إلى لبنان؟ لماذا توقفت عن التمثيل في عزّ تألقها (مواليد 1933)؟ لماذا ارتدت الحجاب فجأة؟ ولماذا لم تتوقف عن الغناء عندما تحجبت؟ أسئلة أجابت سلام عن بعضها في حوارات صحافية، وتهرّبت من أخرى، محتفظة بقدرتها الدائمة على صنع المفاجأة منذ بدء مشوارها الفني حتى صعودها المفاجئ على خشبة التكريم في الإسكندرية، بعدما توقع كثيرون ألّا تتمكن من الوصول في الموعد المحدد.
في أوائل الخمسينيات، جاءت إلى مصر كما فعل عدد من مواطنيها. استقطبتها عاصمة الفنّ، وصانعة الشهرة، وقلب العروبة النابض حينذاك. مثّلت في “الدنيا لما تضحك”، و“دستة”. وسرعان ما عرفت الشهرة، فواصلت مع أفلام “السعد وعد” و“الكمساريات الفاتنات”. ومرّت ست سنوات انقطعت خلالها سلام عن التمثيل لتعود عام 1963 في فيلم “سر الهاربة” للمخرج أحمد ضياء الدين، ثم عادت بعد ست سنوات أخرى لتقدم آخر أفلامها المصرية “الشيطان” (1969). لكنّ نجاح سلام تبقى في الذاكرة الفنية العربية مطربة في المصاف الأوّل. قيل إنّها صاحبة “الحنجرة الذهبية”. وقيل إنّها كادت أن تكون مطربة لبنان الأولى فور صعودها، لولا أن الظروف السياسية للتركيبة اللبنانية الحديثة العهد شاءت غير ذلك! وتشاء أسطورتها أن موشي ديّان، قال عنها ذات يوم: “هذا الصوت يهدد أمن إسرائيل”. كان ذلك في تلك المرحلة السياسية الصاخبة، المفعمة بالمواجهة، وصعود الأحلام القومية... وكانت سلام مع محمد سلمان في مواقعها الأمامية. أشعلت الجماهير عندما غنّت “أنا النيل مقبرة الغزاة، أنا الشعب ناري تبيد الطغاة” (كلمات محمود حسن إسماعيل)، وعندما غنّت على وقع ألحان محمد الموجي “يا أغلى اسم في الوجود يا مصر”، وهو النشيد الذي حمله صوت نجاح سلام الى أعلى مراتب النجاح، وحاز الموجي بفضله وسام الاستحقاق عام 1966. أغنيتان حفظهما الجمهور المصري جيداً، إضافة الى “عاوز جواباتك” و“يا سكة السعادة” من ألحان محمد عبد الوهاب. وتشاء المفارقات أن تلك الأغاني لا يعرفها الجمهور اللبناني الذي يختصرها أحياناً إلى «حوّل يا غنّام»، أو... أو «ميّل يا غزيّل» اللتين يجهلهما الجمهور المصري تماماً! كأن سلام تنقلت بين مصر ولبنان بشخصيتين مختلفتين تثيران الدهشة أينما حلّتا، وإلا كيف مثّلت ورقصت وغنّت في مصر، ثم تحجّبت في لبنان؟