في زمن الحرب يتراجع المطربون والممثلون، وتفرز الشاشة الصغيرة نجوماً من نوع آخر. محلّلون وعسكريون وخبراء يحتلون البث المباشر، ويستسلمون أحياناً لإغراءات “اللعبة”... عقاب صقر سرقه التلفزيون من الصحافة المكتوبة، صنع نجوميته، فهل يكون وراء ضياعه؟مهى زراقطخلال الحرب الإسرائيلية على لبنان، غاب الزميل عقاب صقر عن صحيفة “البلد” في وقت كثر فيه ظهوره الإعلامي على أكثر من شاشة تلفزيونية، كما عمل محلّلاً سياسياًَ لمدة شهر على قناة “الحرة”. في الوقت عينه، شاع في الأوساط الإعلامية أن صقر فُصل من الصحيفة لأنه لم يلتزم قرار إدارتها بعدم الظهور التلفزيوني قبل الموافقة المسبقة. “الأخبار” التقت عقاب صقر، وسألته: لماذا يفضّل سكرتير تحرير وكاتب رأي في صحيفة لبنانية منتشرة التخلّي عن موقعه لمصلحة ظهوره محلّلاً سياسياً على شاشات تلفزيونية؟
يؤكد صقر أن ادارة الصحيفة لم تخيّره بين الظهور التلفزيوني كمحلّل سياسي أو الاستمرار في العمل فيها: “أنا استقلت. والسبب أن جمهور الجريدة كان يستاء مني كلما كتبت مقالاً أو ظهرت على التلفزيون. ولأن الصحيفة تعتمد أساساً على الاشتراكات. اتصل كثيرون بـ «البلد» وهددوا بوقف اشتراكاتهم إذا استمررت في العمل معهم. وبعد عملية أسر الجنديين، ظهرت على «الجزيرة» وقلت إن حزب الله ارتكب خطأ عندما قرر خطف الجنديين، وإن لبنان سيدفع الثمن في النهاية. عندها انهالت الاتصالات على الصحيفة، حتى إن عاملة الهاتف بكت بسبب الشتائم التي وجهت إليها، فاتخذت قراري بالاستقالة». لكن القرار لم يكن مرتبطاً بالاتصالات المعترضة فقط، إذ «في مرحلة من المراحل شنت عليّ حملة ممنهجة من التيّار الوطني الحر الذي هدّد بتوقيف 15 ألف اشتراك ووزّع الكثير من المناشير ضدي، لكنّي هذه المرة كنت متعباً وبدأت أشعر أكثر من أي وقت بأني أشكل عبئاً على الصحيفة».
أمام خيارين
من يعرف كواليس «البلد» يعرف أنها من أكثر الصحف التي تتلقى اتصالات من مشتركيها واعتراضات أو اطراءات على مقالات كتّابها. لكنها كانت تتجاوز الحدّ مع عقاب صقر «الشيعي الذي ينتقد الشيعة». هو لا ينفي هذه الحقيقة بل يرى أنه لو لم يكن شيعياً «لكانت الحملة عليّ أخف. المشكلة ببساطة أن الرأي العام اللبناني يضعك أمام خيارين: إما أن تكون مع المقاومة وتمدحها، وإما أن تكون في موقف نقدي منها فتصبح ضدها». غير أن اللافت، برأيه، أنه عندما يلتقي مع منتقديه يستطيع إقناعهم بوجهة نظره «لأنهم غالباً ما لا يسمعونني بل يُنقل لهم كلامي». ويروي ضاحكاً قصة صديق له من «حزب الله» كان يعاتبه على كلامه ضد المقاومة «وعندما نفيت أن أكون قلت ما فهمه من موقف سلبي ضد المقاومة أجابني: أنا أصلاً لم أسمعك لأني كنت أخفض صوت التلفزيون كلما جاء دورك في الكلام».
إذاً، هل يقدّمك التلفزيون بشكل خاطئ؟
«لا. المشكلة ليست في التلفزيون، بل في المشاهد. لماذا عليّ أن أتبنى خطاباً يحاكي الطائفة التي أنتمي إليها...؟ والمشكلة ليست فقط عند الشيعة. الطوائف الأخرى تفرح عندما تسمع شخصاً ينتقد الطائفة التي ينتمي إليها، وهي لا تعرف أنك تنتقدين التحجّر الذي تشكّل هي جزءاً منه».
والحال هذه، ألا يعتبر أن كونه شيعياً هو الذي يجعله مطلوباً للظهور على شاشات التلفزيون؟
لا يستبعد صقر هذا الاحتمال إذ يقول: «أضع في الاعتبار أنهم قد يختارونني لأنني شيعي، لكنني شيعي يعبر عن قناعاته حتى لو ظهرت على “المنار”. لا أعرف إن كانت بعض المحطات قد تستمر في استضافتي إذا غيّرت رأيي أو لم تعد آرائي تناسبها». ويضيف موضحاً فكرته: “أنا لا أستبعد أن يكون التلفزيون يستخدم ضيوفه، لكنني في المقابل أرى أن هذا الاستخدام متبادل. أنا أحب أن أوصل أفكاري إلى الناس والتلفزيون يوصلها بشكل سريع مع محاذير أنه مؤسسة تريد أن توظفك».
الظهور التلفزيوني الأول لصقر كان عبر قناة «العالم» الإيرانية وكان موضوع الحلقة «ممهدات الحرب على العراق». ثم أطلّ عبر «تلفزيون الجديد» وتحدّث عن النظام السوري. أما إطلالاته عبر «أل.بي.سي» فبدأت من نشرات الأخبار التي كانت تظهره محاضراً في ندوات جامعية تتناول الوجود السوري في لبنان ومنها وصل إلى «نهاركم سعيد» ثم «كلام الناس».
علاقة صقر مع التلفزيون جعلته يكتشف أسراره ويتعلّم إدارة اللعبة على الشاشة السحرية: «التلفزيون لعبة ثلاثية للسيطرة. عليك أن تنتبهي من ألا يأكلك المقدم ولا الخصم الذي في وجهك وألا توجهي الرسالة الخطأ. والأهم ألا تسمحي بحصول احتكاك. أحاول كثيراً التركيز على تمرير فكرتي وأبتعد عن المساجلة. أما أخطر ما قد يواجه الضيف في الاستوديو فهو اختصار كلامه من المقدّم “يعني قصدك هيك” ثم يرد على هذا الأساس... هذا ما يعلق في ذهن المشاهد الذي يتأثر كثيراً بالمقدم والخصم في آن».
عقاب صقر، محاضر جامعي، يبحث اليوم عن عمل في الصحافة وهو يتلقى بعض العروض، لكنه بالتأكيد لن يكون قريباً أحد مقدمي البرامج لأنه يفضل صحافة الرأي وصناعة الرأي العام “أطمح إلى أن أكون صحافياً يستطيع التأثير في الرأي العام ويعيد تشكيله نحو ثقافة النقد وليس ثقافة الضد»، خاتماً: «إذا لم أجد فرصة مهنية في مساحة الاختلاف التي أمارسها فأنا لا أريد ان أعمل».