يميل المؤرخ أحياناً، في معرض دراسته مسار السينما اللبنانية، الى اعتبارها ولدت من رحم الحرب الأهلية اللبنانية. هذه الحرب التي أفرزت تجارب مارون بغدادي وبرهان علوية وجوسلين صعب ورندا الشهال... أو احتضنتها وألهمتها وواكبت ظهورها. مارون بغدادي أخرج فيلمه الروائي الأول «بيروت يا بيروت» عشية الحرب، فاستبق فصولها الدامية بلمحات تنبؤية. ثم عاد وتدارك رؤيته الأولى بفيلم جاء بمثابة الإعلان عن الخيبة هو “حروب صغيرة” (1982). وكان برهان علوية قد سبق بغدادي بفيلم “كفر قاسم” عن إحدى أولى المجازر المؤسسة لدولة اسرائيل في فلسطين، لكن سيتبعه بـ“بيروت اللقاء” (1983) الذي لن يلبث أن يصبح فيلمه المرجعي، وصولاً الى “رسالة من زمن الحرب” (1984). و“جيل الحرب” إذا جازت التسمية ينتمي اليه أيضاً جان شمعون ومي مصري، وجوسلين صعب التي وثّقت الحرب في أفلام، منها “بيروت لم تعد كما كانت” (1975) و“حياة معلقة” (1985)، ورندا الشهال التي لم تبتعد عن تلك الحرب. من أعمالها الوثائقية الأولى “خطوة خطوة” (1978) و“لبنان إرادة حياة” (1981)، الى “طيارة من ورق” (2003) آخر أفلامها الروائية.
بعد “انتهاء” الحرب، برز جيل جديد من المخرجين، بقي الحرب هاجسه الأوّل، ومن أبرز رموزه: غسان سلهب وزياد الدويري. هذا الجيل يحاول استعادة ملامح مدينته ويفتش عن هويته عبر رحلة أركيولوجية في الذاكرة. غسان سلهب بحث الهروب إلى “الأرض المجهولة” (2002) بعد فيلمه الروائي الأول “أشباح بيروت” (1998). زياد الدويري عاد الى الحرب في “بيروت الغربية” (1998). ودانيال عربيد بحثت عن طفولتها الهاربة في “معارك حب” (2004)، بينما بحثت جوانا حجي توما وخليل جريح عن الهوية المفقودة في “البيت الزهر” (1999). وتطول اللائحة لتشمل أسماء استثنائية من محمد سويد إلى أكرم الزعتري. ربّما تكون انتهت الحرب (الأهلية) في لبنان... لكن المؤكد هو أن سينما الحرب مستمرّة.