بيار أبي صعب
ينقل عن وزير الدعاية النازي غوبلز قوله : «حين أسمع كلمة ثقافة أتحسس مسدسي”... أما اليوم فلم تعد الثقافة السائدة تخيف أصغر ضابط مخابرات للأسف. حين أسمع كلمة ثقافة - يفكّر قارئ الصحافة العربية - أتثاءب وأشعر برغبة في النوم. أو بالركض الى أبعد نقطة ممكنة عن تلك الأعمدة المتراصة، والكتل المكرورة الباهتة التي لا تقول شيئاً.
يمسك القارئ “الهارب من الثقافة” بالريموت كونترول، ويروح يبحث عن كليب أو فيلم أو برنامج يهمّه. وقد يبعث برسالة قصيرة عبر هاتفه المحمول، فيقرأها الجمهور، ويتبلغ الأصحاب تحيته. وربما انقض على DVD آخر الأفلام المعروضة في مهرجان كان هذا العام. وإذا جلس الى شاشة الكمبيوتر، قد يقوم بجولة حول العالم، ولا يترك نصاً أو مرجعاً أو مقطوعة أو لوحة أو فيديو الا ويتفاعل معها. وبعد قليل سيخرج صاحبنا، فيضع في أذنيه سماعتي جهازه الـ iPod ليستمتع بباقة شكّلها بنفسه من موسيقى الجاز أو الباروك، الراب أو الشعبي...
في تلك الأثناء، يواصل الأستاذ عبقر مشواره الهادئ والطويل مع الصحافة الثقافية. لا أحد يزعجه في قيلولته الجميلة. إنه هنا في المكان الذي تركته فيه قبل عشرين عاماً، كأن شيئاً لم يكن. طبعاً هو لم يسمع بالـ “آي بود”، ولا يمكن أن يتصوّر أن جهاز الكومبيوتر الذي بالكاد يحسن تشغيله (ولن نغامر ونقول استعماله)، يمكن أن يبث آخر فيديو لغسان سلهب أو أكرم الزعتري... ويمكن أن تهتدي من خلاله، على الشبكة الافتراضية، إلى أغنية قديمة للقبنجي أو لنور الهدى. ثم تسمعها، هنا على الكمبيوتر، فور شحنها.
الأستاذ عبقر يشرف على صفحته الثقافية، كما يصيح ديك “على مزبلته”. عالمه محصور، لكنه يديره بفاعلية كبيرة! هناك دائرة من مئة اسم (أو مئتين) لا بد من الكتابة عنهم وإليهم، ولا بد من نشر انتاجهم ومقالاتهم، وتلبية دعواتهم الكريمة. إنهم أبناء قبيلة منقرضة، يتكلمون لغة غامضة لا يفهمها أحد، تذكر بانسان الكهوف.
اليوم صارت الثقافة جثة ميتة على صفحات الجرائد، مساحة للتكرار و”الاقتباس” والعلاقات العامة، وغير ذلك من مستلزمات الفولكلور، وطقوس المديح والهجاء. لكن لا تسألوا الاستاذ عبقر: كيف يمكن للصحافة الثقافية أن تشرع آفاقها على عالم آخذ في الاتساع والتحوّل؟ أرجوكم لا تعكروا صفو مشواره الهادئ.