بيار أبي صعب
ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها مفكّر مصري، خلال العقدين الأخيرين، لحملة تجريح - بل للاعتداء المعنوي والمادي حتّى الموت أحياناً. ولا هي المرّة الأولى التي تتعرض فيها «حرية التعبير» للخطر في القاهرة... ونتحدث هنا عن القاهرة، مدينة علي عبد الرازق صاحب «الإسلام وأصول الحكم» ومدينة طه حسين صاحب «في الشعر الجاهلي»، بصفتها عاصمة التنوير والنهضة، وآخر معاقل الفكر النقدي في مواجهة الليل العربي الزاحف.
ليست المرّة الأولى التي تنعق فيها الغربان في سماء مصر، حاجبة ضوء الشمس بأجنحة مقيتة أشبه برايات «التكفير» والتخوين... لكن الجديد أن يقوم منبر اعلامي بإشعال نيران الفتنة هذه المرّة، عبر تحريف أقوال مفكّر وأكاديمي غاص في التراث الاسلامي حتّى تمثّله وتماهى معه. هذا المفكّر هو حسن حنفي المراهن الدائم على «الإسلام المستنير». حنفي الذي حاول ارساء مفهوم “اليسار الاسلامي”، وطوّر مشروعه الفكري في “التراث والتجديد” (1980).
في ربيع 1997 تعرض حسن حنفي لحملة واضحة ومباشرة من “جبهة علماء الأزهر”. وأعلن يحيى اسماعيل الأمين العام للجبهة آنذاك، أن “كتبه حول التراث والتجديد ملأى بإنكار ما اتفقت عليه الأمّة”. واعتبر أن “كتابات نصر أبو زيد أهون بكثير من كتابات حنفي...”. وقبلها شنّت الجهة نفسها في ثمانينات القرن الماضي حملة على فرج فودة بتهمة “العلمانيّة”، واغتيل الكاتب المذكور في العام 1992. كما شنّ علماؤها حملة على نصر حامد أبو زيد بتهمة “الارتداد عن الاسلام”، فهرب الى هولندا.
وتأتي هذه العودة الى التهويل والاختزال والاثارة، بعد أن تنفس المثقفون الصعداء، وظنوا أنهم نجحوا في تنقية السجال الفكري من كلّ نزعات التكفير والتهويل والتنكيل... واعتبر الجميع أن السنوات السوداء التي شهدت مصرع فرج فودة بعد تكفيره، ولاحقت نصر حامد أبو زيد وغيره بدعاوى الحسبة... صارت من التاريخ.
هل هي انتكاسة جديدة للمجتمع المدني؟ وهل هناك اليوم بين الاصلاحيين والنهضويين العرب من هو مستعد لخوض معركة الحريات، وتأكيد قيم الليبرالية والديمقراطية والدستورية... في مواجهة المؤسسة الرسمية التي تعتاش على مختلف أشكال التزمّت والظلامية والانحطاط؟