القاهرة ــ محمد شعير
غاب نجيب محفوظ! رحل أمس بطريقة لم يكن يتمناها! “حسن الختام والموت في هدوء” هكذا كان يتمنى. وعندما سأله المسرحي محمد سلماوي: ماذا تقصد بحسن الختام؟ صمت قليلاً قبل أن يجيب: “كان لي أخوان مات أكبرهما بالسرطان، وكان يتعذب فى أيامه الأخيرة، بينما أخي الثاني شرب شاياً وأسند رأسه إلى كتفي ومات فى أقل من ثانية. أتمنى أن يكون موتي هكذا هادئاً!”.
لكن محفوظ تعذب بالمرض في أيامه الأخيرة، وهو العاشق للحياة، العاشق للكتابة التي كان التوقف عنها ولو يوم واحداً يعني العذاب الأكبر في حياته. رحل نجيب محفوظ صاحب العقود التسعة وفوقها أربعة أعوام، بعدما هاجمت جسده أمراض الشيخوخة، ليستسلم في النهاية الجسد التسعيني النحيل الذي تكبد مشقة السفر في عالم الرواية طوال عقود وقاوم الشيخوخة تارة والسلطات طوراً، وكتّاب التقارير وصنّاع الطغاة، وسكاكين المتطرفين وكل الصعاب التي كادت تحول بينه وبين الكتابة مراراً!
رحيله لا يعني فقط غياب روائي أخذنا إلى أدقّ التفاصيل في الأحياء والحارات المصرية، وعلّمنا كيف تكون الرواية تاريخاً ممتعاً، بل هو غياب لعصر كامل بقيمه، وغياب جيل اكتمل بنيانه الثقافي في ظل ليبرالية حقيقية كان محفوظ آخر رموزها!
لم يكن عمره قد تجاوز الرابعة عشرة عندما بدأ الكتابة بقصة طويلة سمّاها “الأعوام” مقلّداً فيها رائعة عميد الأدب العربي طه حسين (“الأيام”). وعندما التحق بكلية الآداب، اختار الفلسفة، وظل مشتتاً بين الأدب والفلسفة حتى حسم أمره بالإخلاص للكتابة الأدبية وحدها. باختصار، قرّر أن يتخذ من الكتابة حرفة له على رغم ما ستجره عليه من مشكلات، تماماً مثل راوي “أولاد حارتنا”.
لم تفارقه النكتة حتى في أسوأ الأوقات. بل لعله كان واحداً من أشهر ملوك القافية والقفشة التي لا تتميز فقط بالسخرية بل تكشف عن ذكاء حاد وبديهة حاضرة.
عندما سأله الحرافيش ــ كما يحكي جمال الغيطاني ــ فى جلستهم الأسبوعية عن إحساسه في لحظة الزلزال الذي أصاب مصر عام 1994 قال: “كنت أجلس في الصالة، شعرت به بقوة، وتطلعت إلى السقف منتظراً سقوط برلنتي عبد الحميد في حجري”. وبرلنتي واحدة من أشهر نجمات السينما في الستينيات، تزوجت المشير عبد الحكيم عامر وتسكن الطابق العلوي من العمارة التي يسكنها محفوظ!