لم يقترن اسم كاتب بمدينة، كما اقترن اسم نجيب محفوظ بالقاهرة التي لم يكد يخرج منها، كما لم يغادر مصر في حياته، حتى لتسلّم جائزة نوبل في عام ١٩٨٨. في حي الجمالية أبصر النور وترعرع، وفي حارة الكبابجي بدأت رحلته مع العلم في الرابعة. وفي بين القصرين تلقن دراسته الابتدائية... ثم عاش مراهقته في حي العباسية. في أزقة القاهرة نسج خيوط رواياته، ومنها استمد شخصياته واستوحى أحداثه وغرَف مادته الأدبية.وقد خص الروائي جمال الغيطاني “قاهرة نجيب محفوظ” بكتاب في تسعينيات القرن الماضي، (منشورات الجامعة الاميركية)، يتوقف فيه عند كل من تلك المحطات المهمة للتفاعل مع أدب صاحب “الثلاثية” الذي تكاد تكون القاهرة الحب الأكبر في حياته. وهو يستعيدها دائماً في كل كتاباته سواء أكانت المدينة الواقعية بكل دقائقها وتفاصيلها الحياتية اليومية، أم مدينة متخيلة في الذاكرة، عبر القراءة وتداعيات التذكر وهيامات التوق. ويركز محفوظ على ذكر شوارع ومناطق بعينها في القاهرة القديمة، سارداً كل أوصافها في بعض اعماله وخصوصاً ثلاثيته الشهيرة “بين القصرين” و“قصر الشوق” و“السكرية”، وبعض رواياته الاولى مثل “خان الخليلي” و“زقاق المدق”.
ونشرت الاميركية بريتا لوفا صوراً لشوارع القاهرة القديمة وحواريها وأزقتها، في كتاب الغيطاني الذي قام مع أستاذه المقرّب بجولة “في الاعماق المنسية في محاولة لنبشها واخراجها على سطح الذاكرة”. جال في شوارع الجمالية، في قلب القاهرة التاريخي، حيث قضى الرجلان أكثر من ثلاثين سنة. وعلى امتداد المشوار، يتذكر نجيب محفوظ ما كان وما جرى، ويشير الى التغيرات التي حدثت في موطن طفولته عبر العقود المنصرمة، في رفقة صديقه الحميم ومريده الروائي صاحب “الزيني بركات و“التجليات” الروائي جمال الغيطاني.