كان ــ حتى الأمس، كانت الشكوك ما زالت قائمة حول العمل الذي سينال السعفة الذهبية في نهاية الدورة 69 من «مهرجان كان السينمائي». الأعمال اللافتة لم تكن بقليلة، وكلما شاهد المرء فيلماً، منحه سعفته الذهبية الخاصة.
حملت هذه الدورة أيضاً بعض الخيبات، أبرزها فيلم شون بين «الوجه الأخير» الذي اعتبره معظم الصحافيين والنقاد أسوأ فيلم في المسابقة، ما دعا بعضهم الى التساؤل عن سبب إدراجه أصلاً فيها.


في المقابل، كانت الأيام الأخيرة من المهرجان حافلة بالأعمال الجيدة التي يصعب نسيانها بعد مغادرة صالة السينما.

«أكواريوس» للبرازيلي كليبر مندونسا فيلهو كان من الأفلام التي طبعت بقوة هذه الدورة من المهرجان، إذ شكل مفاجأة جميلة أخرى في برمجة هذا العام. تبلغ الناقدة الموسيقية كلارا الستين من العمر وتعيش في مبنى خاص جداً معروف باسم «اكواريوس» بُني في أربعينات القرن المنصرم. ولكنها تدخل في مواجهة قاسية مع شركة عقارات، رافضةً بيع شقتها حين يُفرض ذلك عليها. تلمع الممثلة صونيا براغا في تأديتها الدور الرئيسي في العمل الذي يروي من خلال قصة امرأة، صراع الطبقة الوسطى في البرازيل ضد الرأسمالية التي تهدد إرث الماضي.

على صعيد آخر، نال فيلم أوليفييه أساياس «المتسوقة الشخصية» مع كريستن ستيورت حصته من الانتقادرات والصيحات السلبية خلال عرضه على الصحافة. كان أول فيلم تنهال عليه الانتقادت القاسية، كما كان في الوقت عينه من أكثر الأفلام المحببة لدى بعضهم، وبالتالي قسّم الآراء بشكل حاد. قد لا تُعجب القصة الغامضة وغير المترابطة المشاهدين، وقد لا تقنعهم النهاية الأكثر غموضاً بعد. لكن لا يمكن أن ننكر أن أساياس بمساندة أداء ستيورت الحقيقي جداً، أثار الذعر ونجح في إبقائنا على أعصابنا طوال مدة الفيلم. آخر الافلام المعروضة ضمن المسابقة الرسمية كان «هي» للمخرج الهولندي بول فيرهوفن الذي عاد بعد 10 سنوات من الغياب مع «ثريلر» مثير وصادم، استقبله النقاد بحفاوة لدى عرضه الأولي. في المؤتمر الصحافي الذي شارك فيه المخرج ضمن المهرجان، أقره أنه أراد تصوير فيلمه بدءاً في الولايات المتحدة، ولكن القصة لم تعجب أحداً. ومن أجل إنجاز عمله هذا، لجأ المخرج الذي استند الى رواية بعنوان «أو...» الى الممثلة الفرنسية إيزابيل أوبير التي تؤدي هنا دور امرأة تتعرض لاغتصاب واعتداء عنيف من قبل مجهول مقنّع. تقرر مواجهة التهديد المتكرر الذي يشكله لها الرجل وحدها، وينتهي بها الأمر الى الانجذاب الى المعتدي عليها. تضيف أوبير هنا دوراً جريئاً ومتقناً إضافياً الى مسيرتها. أما الفيلم، فيمزج فيه فرهوفن ببراعة بين العنف والغرابة والكوميديا.

أُضيف فيلم «البائع» لأصغر فرهادي بعد أسبوع على الكشف عن التشكيلة الرسمية للمهرجان في نيسان (أبريل) الماضي. المخرج الحائز جائزة أوسكار عن عمله «انفصال»، قدّم للمرة الثانية فيلماً ضمن المنافسة على السعفة الذهبية. رنا وعماد ثنائي يضطران الى الانتقال للعيش في شقة أخرى بعدما بات المنزل الذي يقطنانه مهدداً بالانهيار. ولكنهما لا يشكان للحظة أن المرأة التي كانت تسكن سابقاً في منزلهما الجديد، كانت تمارس الدعارة وتستقبل الزبائن فيه. ذات ليلة، تتعرض رنا لاعتداء من قبل أحد الزبائن الذين اعتادوا زيارة الشقة. فتبدأ بالنسبة الى عماد رحلة البحث الهوسية عن المعتدي، خصوصاً أنّ رنا لم تتخط الحادثة فعلاً. يعود فرهادي بهذا الفيلم الى تناول العلاقات البشرية بتعقيداتها متطرقاً الى موضوع الانتقام والمسامحة، بلسمته الابداعية.

في غياب أي عمل لبناني عن الفئات الرسمية للمهرجان، برز العمل الروائي الطويل الأول للمخرج اللبناني فاتشيه بلغرجيان «ربيع» في فئة «أسبوع النقاد» الموازية للمهرجان، فأثّر كثيراً في من حضوره، وطال التصفيق للمخرج وفريق عمله لدقائق طويلة بعد العرض. بطل الفيلم ربيع (وفي دوره بركات جبور) كفيف وهو موسيقي بارع جداً. يقرر البحث عن هويته بعد أن يكتشف عن طريق الصدفة أنّ والدته (جوليا قصار) ليست في الواقع أمه البيولوجية. تبدأ رحلة بحث في أنحاء الأراضي اللبنانية عن هوية تسعى كافة شخصيات الفيلم الى طمرها، في حين يصر ربيع بعزم على اكتشافها. الفيلم الذي أنجزه المخرج بالكثير من الحب والصدق، يمكن اعتباره أشبه باستعارة حول وضع المجتمع اللبناني الذي يسعى إلى إخفاء ماضيه المليء بالحروب والنزاعات. فاز الفيلم بجائزة «السكة الذهبية» التي تمنح من قبل «جمعية موظفي سكك الحديد» المحبين للسينما الذين ينظمون هذه الجائزة منذ 22 سنة، باعتبار العمل يتناول الذاكرة والهوية في بلد عانى الصراعات.

أما السبت، فكان جمهور المهرجان على موعد مع أولى النتائج الرسمية لهذه الدورة، بعدما قدّمت لجنة تحكيم فئة «نظرة ما» التي ترأستها هذه السنة مارتيه كيلر جوائزها. هكذا، نال فيلم «أجمل أيام حياة أولي ماكي» ليوهو كووسمانن جائزة الفئة، في حين ذهبت جائزة اللجنة الى «هارمونيوم» لفوكادا كوجي. جائزة الاخراج كانت من نصيب مات روس لـ «كابتن فانتاستيك». كما ذهبت جائزة أفضل سيناريو لديلفين كولان وموريال كولان لفيلم «رؤية البلد». ونال فيلم «السلحفاة الحمراء» لمايكل دودوك دو ويت جائزة الفئة الخاصة.