بعد طول انتظار، فعلها سعد الحريري أخيراً وأعلن تبنّيه لترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية اللبنانية. يومها، زار الجنرال بيت الوسط، حيث تحدّث إلى الإعلاميين بنبرة هادئة، نادراً ما يستخدمها. في نهاية كلامه، توجّه عون إلى أهل السلطة الرابعة طالباً مساندتهم، آملاً منهم أن يكونوا «واقعيين ومساعدين، لنتمكن من النجاح وحمل رسالتنا إلى كل الناس. بالشائعات لا يُبنى وطن. نطلب منكم نشر الحقيقة فقط، والتوقف عن الحكم على أساس النيات التي تشكّل العائق الأوّل أمام تكوين رأي عام صحيح». ثم تابع: «في كل بلدان العالم يكون القضاء مصير من يُحاكِم على أساس النيات. نتمنى من الآن وصاعداً أن يكون عهد جديد بين كل مكوّنات الوطن».
بعد عشر سنوات من القطيعة، عاد بسّام أبو زيد أخيراً إلى الرابية

مضمون وطريقة الحديث، ولّدا تساؤلات حول طبيعة العلاقة التي ستربط جنرال الرابية بالإعلاميين بعد وصوله إلى سدّة الرئاسة، خصوصاً أنّها لطالما كانت موسومة بالكرّ والفرّ والتوتّر. شخصيته الانفعالية وضيق صدره أمام الأسئلة المحرجة أو المشاغبات الصحافية ليسا خافيين على أحد، بل أفضيا مراراً إلى اتخاذه قرارات قاسية ومستغربة في حقّهم، وصلت إلى حدّ الشتيمة العلنية والدعاوى القضائية.
منذ وصوله إلى مطار بيروت في 7 أيّار (مايو) عام 2005 قادماً من منفاه الفرنسي، بدأت القصة. الجميع يذكر كلمة «سكتوا» التي صرخ بها عون في وجوه الصحافيين محاولاً إسكاتهم، قبل أن تكرّ السبحة. على صعيد الإذاعات، وصف ميشال عون مراسل إذاعة «لبنان الحرّ»، عبدو متّى، بـ «الحرتقجي»، ومنعه أيضاً من دخول الرابية. ومنذ عشر سنوات تقريباً، أُبلغت «المؤسسة اللبنانية للإرسال» بأنّ مراسلها بسّام أبو زيد غير مرغوب به في الرابية، نظراً إلى «أسئلته الاستفزازية».
ولعلّ إحدى أبرز الحوادث كانت بطلتها جويس عقيقي. في تموز (يوليو) 2015، تعرّضت مراسلة mtv لهجوم من عون خلال مؤتمر عقده في دارته في الرابية. رفض وزير الحكومة السابق الإجابة عن أسئلة جويس، ثم قال لها: «تاني مرّة قولي للـ mtv يبعتوا حدا غيرك». وأعقب هذه الواقعة قرار بعدم استقبال مراسلي ومصوّري «محطة المرّ» في الرابية، ليشتعل الخلاف بين الطرفين. من المؤسسة نفسها، المراسل جورج عيد تعرّض لموقف مشابه حين قال له عون: «تعلّم تسأل أسئلة». كما طُلب من قناة «المستقبل» إرسال مراسل آخر غير شربل عبّود إلى الرابية.
حادثة أخرى مختلفة وأكثر تعقيداً، سُجّلت بين عون ومقدّم «حكي جالس» على lbci، جو معلوف، الذي هاجمه الجنرال بشدّة قبل أقل من عام بعد تناوله في برنامجه «ثروة رئيس التيار «الوطني الحر» ووزير الخارجية جبران باسيل». خلال مؤتمر عقده متناولاً ما ورد في الحلقة، رد عون على جو معلوف من دون أن يسميه، مشدداً على أنّه مهما حصل لن يستطيع الإعلام «يحط غبرة على بوطنا»، مضيفاً: «... ولا أحد مُجبر على سماع اتهامات «واحد خريّان» وضعوه على التلفزيون يريد أن يشرف على حساباتنا ويحاسبنا. وسائل الإعلام أصبحت سخيفة جداً. ولو كنت مدعياً عاماً، لكنت تحرّكت فوراً واستدعيت من يقف وراء هذا الشخص الذي يقول إنّ لديه مستندات تديننا بالفساد».
خلال زيارته الحريري، تحدّث إلى
المراسلين بنبرة هادئة طالباً مساندتهم

لائحة تصريحات وتصرّفات عون الهجومية تجاه الإعلاميين طويلة، لكن هناك مَن يلمس الآن تغييراً محتملاً في العهد الجديد. إلى جانب لهجته الهادئة لدى زيارته الحريري في بيت الوسط، عاد بسّام أبو زيد إلى الرابية ليغطي أجواء زيارة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. وقد نشر مراسل lbci صوراً تجمعه بعون على مواقع التواصل الاجتماعي، لاقت ترحيباً من روّاد السوشال ميديا وزملاء المهنة. «كانت أجواء الزيارة سلسلة وإيجابية، وأتمنى أن يبقى الوضع هكذا دائماً. منطقياً، لا يمكن بدء عهد جديد بمعاداة الإعلام. فهو بحاجة لمساندته. لا بد لحرية التعبير أن تكون مُصانة ومحترمة»، يقول أبو زيد في اتصال مع «الأخبار». ويضيف: «أتفهّم أن يكون للعماد عون ملاحظات على أداء بعض الإعلاميين من موقعه كسياسي، لكن مهمّة هؤلاء الإضاءة على الأخطاء والتجاوزات. هذه ببساطة طبيعة عملهم. لا يمكن للصحافة الحرّة أن تصفّق دائماً».
«المصالحة» انسحبت أيضاً على جويس عقيقي التي غطّت تظاهرة بعبدا في ذكرى «13 تشرين»، غير أنّ مقدمّة برنامج «بصفتك مين؟» على إذاعة fame fm فضّلت عدم التعليق على الموضوع.
أما جو معلوف الذي لم تطله الأجواء الإيجابية بعد، فغير خائف على حرية الرأي والتعبير، مشدداً لـ «الأخبار» على أنّ لا أحد من السياسيين يمكن أن يضمن هذه الحرّية في البلاد، خصوصاً أنّ جزءاً كبيراً منهم «يقاضي الصحافيين. على اختلاف مصالحهم، يتكتلّون جميعاً ضد من يفضح التجاوزات». وعما حصل بينه وبين الجنرال، يوضح معلوف أنّ وصوله إلى الرئاسة «لا يغيّر شيئاً بالنسبة لي»، لافتاً إلى أنّ «شخصيتي وطبيعة عملي لا تتطلّب صداقات مع سياسيين. عون أخذ الأمور بطريقة شخصية». ويتابع بأنّه ماضٍ في تسليط الضوء على الفساد، كما تجاوز التخوّفات التي قد تنتاب بعضهم، «طالما أنا عامل شغلي صح». لا يمكن لأحد إنكار جدلية العلاقة بين الإعلام والسياسة في لبنان. غالبية الإعلام اللبناني مسيّسة، وهذا سينعكس بطريقة أو بأخرى ــ الآن أو لاحقاً ــ على طريقة تعاطيه مع الرئيس الجديد، فكيف سيتعامل هذا الأخير مع أهل السلطة الرابعة بعد تحقيق حلمه القائم منذ 26 عاماً؟