يوم الأحد الماضي، كانت أنظار العالم تتجه الى السعودية، الى ما وصف بـ «القرار التاريخي» الذي تمثل في السماح للمرأة هناك بالقيادة. ساعات طويلة من البث المباشر، وكمّ هائل من التقارير الإخبارية عملت الماكينة الإعلامية السعودية عبرها على تظهير أهمية هذه الخطوة، والتمجيد بولي العهد السعودي محمد بن سلمان «الريادي»، و«الثوري»، والحاضن لرؤية 2030 ولدعم المرأة في شتى المجالات. بعد هذا القرار وسريان تطبيقه، و«جلقة» الفيديوات على وسائل التواصل الإجتماعي التي توّثق لكل امرأة وراء مقودها تجول شوارع المدن السعودية لأول مرة في حياتها، أتى دور بروباغندا أخرى، تتمثل في محو تاريخ آل سعود مع المرأة، وتهميشها، وهضم حقوقها، واستبداله بسردية أخرى، تقوم على تصوير المملكة بأنها رائدة في مجال دعم المرأة منذ زمن طويل. هذا ما اختصره وثائقي «قياديات أرامكو» (إعداد وتقديم عقيل بو خمسين، سيناريو وإخراج دعاء الأشقر)، الذي عرضته «العربية» أمس، ووضعته على موقعها الإلكتروني كمادة إعلانية. الشريط (25 دقيقة) يقوم على تجوال كاميرا الشبكة السعودية داخل شركة «أرامكو» التي تعدّ من أكبر شركات العالم في صناعة البترول ومشتقاته، وإختيار لمجموعة نساء، يشكلن نموذجاً لريادة المرأة هناك، سيّما مع دخولهنّ ميادين لا يتقبلها المجتمع بسهولة. تطل في بداية الشريط، إيناس الأشقر، كبيرة الإداريين في الشركة، وهي عازمة على المضي قدماً في عملها، رغم سماعها من مجتمعها بأن هذا العمل لا يتلاءم مع المرأة. إذ «تنتفض»، على عبارات من قبيل: «ما بعمرها بنت دخلت الى هذا المجال». تتوالى النساء العاملات هناك، والخبيرات في مجالات مختلفة، ليقدمن تجاربهنّ، وليظهر في نهاية المطاف، أن «أرامكو» ساهمت أيضاً في دعم العديد منهنّ، عبر منح قدمتها لهنّ ليكملن دراستهن العليا في الخارج.الى جانب الوثائقي، شهدنا دفعاً جديداً من «الحقوق»، يروّج لها، من ضمنها إضافة 5 وظائف جديدة في القطاع القضائي، لما وجدته وزارة العدل ضرورة «لدعم المرأة وحقوقها»، سيما في قطاع الأحوال الشخصية. بعد القضاء، يأتي دور الطب، وتظهير تجربة مجموعة طبيبات سعوديات قمن بإبتكار سيارة إسعاف للنساء فقط، لما لهنّ من «خصوصية»، في مدينة «الخُبر».
قد يكون منطقياً، تطبيل القنوات السعودية لقرارات «تمكين المرأة» ودعمها، وبناء سردية جديدة تطمس التاريخ القريب والبعيد لآل سعود حيالها، لكن ما هو لافت أيضاً، تخصيص صحيفة «النهار»، حيزاً لمتابعة قرار قيادة المرأة للسيارة. فقد توجهت الى السعودية منذ أيام قليلة، الصحافية ديانا سكيني، واخذت تنقل تجارب نسوة سعوديات في القيادة، وفي نظرتهن لمحيطهن الإجتماعي. تغطية حية ومتلاحقة تخصصها الصحفية اللبنانية العريقة، وتنشر على إثرها مجموعة فيديوات من هناك، تندرج ضمن سياق البروباغندا السعودية.