لا تخافوا، التزفيت جارٍ على قدم وساق! كلا، إنّه ليس موعد الانتخابات النيابية، حيث موضة تزفيت الطرقات من قبل المرشحين قبل أشهر من موعد الاستحقاق. بل إننا نتكلم هنا عن تزفيت الحدائق العامة في لبنان! صباح أول من أمس، نشرت المنتجة روزي عبدو على صفحتها على فايسبوك صورة التقتطها على الأرجح من شباك منزلها في منطقة الصنائع، مع عبارة «صباح الخير... بيروت تحت المطر» (باللغة الإنكليزية).
شعور عفويّ وسعيد أحس به كثيرون مع انهمار المطر الذي فاجأ بيروت في هذا الوقت بعد مرحلة الجفاف التي نمّر بها. لعلّ المطر يملأ مخازن المياه الجوفية، ويعفينا من شراء خزانات المياه خلال الصيف. لكن في الصورة إياها، وبمحض المصادفة الجغرافية، ظهرت حديقة «رينيه معوض» أو المعروفة أكثر بـ «حديقة الصنائع» بحلتها الجديدة... المزفّتة! نعم، زفت داخل الحديقة الشاسعة التي تنعش هواء بيروت. عفواً، داخل الحديقة العامة الوحيدة في منطقة رأس بيروت التي لا تتعدى مساحتها عقار مجمع تجاريّ، وتعدّ أشجارها على أصابع اليد الواحدة، قرر القائمون على إعادة تأهيلها، أي شركة «أزاديا»، تزفيت شارع داخلها تحيط به الأشجار.
خلال السنوات الأخيرة، نذكر جميعاً المشاريع التي كانت تهدد «حديقة الصنائع»، ومنها تحويلها إلى «باركينغ»، ثم حفر «باركينغ» تحتها، وإعادة الحديقة من فوق. حكايات ورويات أخرى، أشيع وقتها بأنها لن تحصل بسبب اعتراض وزارة الداخلية على إنشاء «باركينغ» أمام مدخل الوزارة، وما قد يسببه ذلك من زحمة سير أو مخاوف أمنية. قد تكون كل تلك الروايات السابقة من نسج الخيال، ولم تطرح يوماً. لكننا تنفسنا الصعداء حين أعلن رئيس مؤسسة «أزاديا» (برنامج المسؤولية الاجتماعية لشركة «ازاديا» القابضة) مروان مكرزل، عن مشروع إعادة تأهيل الحديقة بكلفة ٤.٥ ملايين دولار، طبقاً للتصميم الذي أعدته المهندسة المتخصصة في تنظيم الحدائق زينة مجدلاني. (راجع «الأخبار» 9/11/2013 ـ مقال الزميل بسام القنطار).
إنّها الحديقة
العامة الوحيدة في منطقة رأس بيروت لا تتعدّى أشجارها
أصابع اليد الواحدة
عظيم! هكذا، ارتأى من ارتأى أنّ ما كان ينقص «حديقة الصنائع» هو ممرّ معبّد بالزفت! ليحيى التأهيل وليحيى علم تنظيم الحدائق! في «حديقة الصنائع»، مساحات شاسعة تتسع لجميع أهل بيروت من ذوي الدخل المحدود. لذلك، قرروا أن ينتقصوا من المساحة الخضراء، ويستبدلوها بالزفت، خصوصاً أنّ المساحات الخضراء والعامة كثيرة في بيروت، مثل «حرش الصنوبر» المقفل، وكورنيش عين المريسة والمنارة الذي أعادت بلدية بيروت تأهيله أيضاً، وقررت أن تضع يافطات حمراء مع عبارة «لطفاً يمنع على الرصيف، قيادة الدراجات الهوائية للكبار، وضع الكراسي، تدخين النرجيلة، وتناول المأكولات»! وقد صارت «حديقة الصنائع» الآن معبّدة لمن يريد من السياسيين ربما أن يطمئن يوماً على حالة الشعب، وقصد الحديقة ليشاهد شريحة أخرى من المجتمع اللبناني لا يصادفها في صالوناته. لقد أمنّت شركة «أزاديا» لهؤلاء السياسيين ممراً معبداً بالزفت كي تدخل سياراتهم المصفّحة إلى داخل الحديقة، وكي يتفقدوا عامة الشعب من وراء زجاجهم المفيّم. أو ربما كان الهدف جمالياً فقط، إذ إنه لا يمكننا أن ننكر أنّ لون الزفت الأسود يخلق تضاداً جميلاً مع لون الشجر الأخضر، وأنّ تساقط الزهور البنفسجية الشهيرة من شجر الحديقة وملامسة الزفت الأسود، سوف يظهر لونها وجماليتها أكثر من تساقطها على تراب الأرض البني! وما أدرانا نحن في تناسق الألوان؟ هكذا عند اقتراب موسم الانتخابات، أصبح ممكناً لنواب بيروت أن يتسابقوا على تزفيت الطرقات داخل «حديقة الصنائع» لو ضاقت بهم الطرق الأساسية. أما والفرحة تعمنا بتلك الخطوة العظيمة في تزفيت «حديقة الصنائع»، فنأمل أن يجرى أيضاً تزفيت الجسر في «حديقة مار نقولا» في الأشرفية، أو ربما الاستغناء عن بركة المياه في الوسط، وتحويلها إلى طريق معبدّة للسيارات. أما بالنسبة إلى «حديقة السيوفي»، فيمكن شق طريق في وسط الحديقة لوصل منطقة السيوفي بطريق كورنيش النهر مباشرة. تلك نصائح نتبرّع بها لبلدية بيروت من دون مقابل، أو حاجة لاستشارة متخصص في تنظيم الحدائق. ومبروك علينا حياتنا وحدائقنا الجديدة المزفّتة!

يمكنكم متابعة روي ديب عبر تويتر | @RoyDib00