على وقع الجدال الحامي في لبنان بين قوى سياسية ترفض موعد الانتخابات النيابية (آذار/ مارس المقبل)، وأخرى تتمسّك به، بدأت المنصّات الإعلامية باكراً مواكبة هذا الاستحقاق الذي يختلف طابعه هذه المرة. إذ يشهد دخول مَن يسمّون أنفسهم «قوى تغييريّة» انبثقت بعد «انتفاضة 17 تشرين»، عام 2019. تسميات من هنا وهناك، وائتلافات بين أفراد ومجموعات سرعان ما ملأت أخبارها الشاشات، وارتبط بعضها بمالكي هذه المنصّات على رأسها «صوت بيروت انترناشيونال» لمالكها بهاء الحريري. التظاهرات الشعبية التي ملأت الشوارع قبل عامين، وحملت شعارات التغيير والخروج من العباءة الطائفية والحزبية، سرعان ما سقطت بعدما تسلّقها عدد من الأحزاب بالتواطؤ مع الإعلام المهيمن. قوى سرعان ما ظهرت مجدداً على الشاشات قبل الاستحقاق النيابي، مع فارق يتمثّل في تشتّتها وتشرذمها، مع اختلافها على أسس التمويل والتحالفات الانتخابية مع الأحزاب التقليدية. إعلامياً، بدا التركيز على عملية اقتراع المغتربين التي تنتهي مهلة تسجيلهم في العشرين من الشهر الحالي، مع تعويل عدد من وسائل الإعلام المحلية ومن خلفها القوى السياسية المموّلة لها، على هؤلاء المنتشرين في العالم، سيّما في أوروبا والأميركيّتين، بهدف إحداث «التغيير» في السلطة. هكذا، جُنّدت وسائل إعلامية تقليدية وأخرى إلكترونية (SBI)، لمواكبة عملية التسجيل، في الخارج، وإحصاء الأرقام، وتقديم المساعدة للدخول إلى الموقع المخصّص لهم من قبل وزارة الخارجية. على رأس هذه القنوات mtv، التي خصّصت حلقات حواريّة مع الجاليات اللبنانية في كندا وولايات أميركية أخرى، تولّاها آلان درغام، تحت عنوان «المغترب ينتخب»، والإضاءة كذلك على مبادرات شبابية لحث المغتربين على التسجيل. طبعاً لا تخلو هذه المساحات من حثّ المحطة المنتشرين على المشاركة «لإحداث التغيير»، والتشديد بأن «صوت المغترب مؤثّر». من الداخل اللبناني، واكبت المحطة مبادرات شبابيّة أخرى تخصّ المغتربين، مع وضع خطّ ساخن لهم، وتعليمهم كيفيّة التسجيل، وتشجيعهم على خوض هذه التجربة من خلال خلق «ماراتون» انتخابي نهار الأحد للتسجيل.
«المنار» أضاءت بدورها على آلية تسجيل المغتربين المنتشرين، وعلى تأثير أصواتهم على العملية الانتخابية في الداخل. أما على otv، التي يتريّث تيارها في الموافقة على الموعد المبكر للانتخابات النيابية، وينوي تقديم طعن بالموعد، فإن الشاشة البرتقالية ـــ ومعها «التيار الوطني الحرّ» ــ افتتحت البازار الانتخابي باكراً. لجأ التيار إلى طرح تطبيق إلكتروني (FPM APP) يضع بين أيدي المحزّبين البرتقاليّين فرصةً لاختيار المرشّحين المحتملين من خلال التصويت الإلكتروني. عملية الاختيار ستتوزع على ثلاث مراحل: الأولى موجهة نحو المنضوين حزبياً تحت خيمة «التيار»، والثانية تخص المؤيدين، والمرحلة الأخيرة موجّهة إلى المناصرين. هكذا، يضع التيار مرشحيه المحتملين في العالم الإلكتروني، ويخضعهم للتصويت لإعطاء «النموذج بأنه الحزب الوحيد السبّاق» في هذا المجال. كما أنهى معدّ التقرير كلامه بأنّ التطبيق أُطلق في 6 تشرين الثاني (نوفمبر). إزاء هذه المشهدية التي تضع ثقلها على الصوت الاغترابي، أو تروّج حزبياً للانتخابات، كان لافتاً أداء lbci، في هذا المجال. من خلال مسح برامجها الحوارية، خصوصاً الصباحية، يتبيّن بأنها تخصّص مساحات لما يسمى بـ «القوى التغييرية» التي انبثقت عن «17 تشرين»، أو حتى شخصيات حزبية ركبت موجة التغيير وأرادت اليوم خوض المعركة الانتخابية. برنامج «نهاركم سعيد» الصباحي الحواري، شكّل حضناً لاستقبال هذه القوى، وإفساح المجال أمامها للتعبير عن آرائها ورؤيتها للانتخابات. على سبيل المثال، استضافت المحطة في الأول من الشهر الحالي، فؤاد مخزومي، الذي يضع نفسه اليوم، ضمن سلّة «التغييريّين».
بالطبع، شنّ مخزومي هجوماً على «حزب الله المسيطر على لبنان»، وجزم بأن أيّ استطلاع للرأي سيظهر أن الشعب اللبناني يوافقه الرأي! وفي الثامن من الشهر الحالي، حلّ «أمين عام جبهة المعارضة» جهاد عبد الصمد ضيفاً على «نهاركم سعيد».
أطلق شعاره المتعلق بـ «الحياد» وتجنيب لبنان «صراع المحاور». وفي الثالث والعشرين من الشهر الماضي، ظهر في البرنامج عينه، سعيد صناديقي، المدير التنفيذي لحركة «سوا» المنضوية تحت لواء رجل الأعمال بهاء الحريري. الحركة التي كانت ناشطة في الشأنين الاقتصادي والاجتماعي، دخلت أخيراً، المعترك السياسي، وقررت خوض الانتخابات وسط أسئلة في الحلقة دارت حول أخذ إرث تيار «المستقبل» وجمهوره، وكيفية «الدخول إلى البيئة السنية»، بما أن هذه الحركة باتت تملك أكثر من 15 مكتباً انتخابياً في غالبية المناطق اللبنانية. وسط هذه الاستضافات، كان لافتاً الظهور المتكرّر لعضوة المكتب السياسي في حزب «لنا»، زينة الحلو، التي تقدّم نفسها على أنها حركة «معترضة على السلطة»، وتطرح مشاريع بديلة للناس، بما أنها منبثقة من «17 تشرين». بعدها، ظهرت الحلو في برنامج «عشرين 30» التي خُصّصت إحدى حلقاته، للحديث عن الجوانب التقنية للانتخابات. حلّت الحلو ضيفة في الاستديو مع ألبير كوستانيان، المرشح بدوره للانتخابات النيابية، وتحدثت عن «المعركة مع الطبقة السياسية». على المنصات الإلكترونية، سجل حضور قوي، لمنصة ««صوت بيروت انترناشيونال»، التي يخوض «تيارها» الانتخابات. فقد خصّص برنامج «30 دقيقة» الذي تقدّمه شهير إدريس مساحة للحديث عن الانتخابات واستضافت الباحث في المؤسسة «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين. وخصّصت كذلك، مساحة لتناول اقتراع المغتربين في الخارج.
أما برنامج «بدنا الحقيقة» (وليد عبود)، فقد استضاف مدير عام «ستاتيستيكس ليبانون»، ربيع الهبر، الذي يكثّف حضوره على الشاشات هذه الأيام، لإعطاء أرقام وإحصائيات حول الانتخابات وموازين القوى في الداخل. في الحلقة، عرض الهبر الخارطة الانتخابية، وأكّد أن الأحزاب ستنخفض أرقامها، وراح يتنقل بين المحافظات ليُدلي بأرقامه التي أخذتنا إلى استحصال «القوى التغييرية» على أصوات أكثر من الأحزاب التقليدية، خصوصاً في المتن الجنوبي، والشوف.


hard luck منى!
وسط الحمى الانتخابية، سجل موقف يمكن وصفه باللافت، على mtv، التي استضافت في الخامس من الشهر الماضي، أول مرشح للانتخابات النيابية عمر حرفوش، ضمن برنامج «بيروت اليوم». حرفوش العائد من بلاد الاغتراب إلى بلاده، ظهر على الشاشة، ليُعلن طموحه بأن يصبح نائباً وربما في ما بعد رئيساً للوزراء. لكن اللافت في هذه الحلقة، ما أرادت المحاورة جرّه إليه، وهو مستنقع مواجهة «حزب الله»، بعدما أظهر حرفوش وعياً في هذا المجال، ورفض دخول البروباغندا المعادية التي تضع مسؤوليات الانهيار الاقتصادي والفساد على رأس الحزب. حاولت منى صليبا مراراً، سحبه إلى الهجوم على «حزب الله» وإجباره (ربما) على القول بأن الأخير «يغطي الفاسدين»، وأن سلاحه «يعرقل محاولات الإصلاح»، والتسبّب بعقوبات على لبنان، وبأن هذا السلاح يُؤخذ في الاعتبار في الانتخابات. ردّ حرفوش مبتسماً: «الكل بدو ياني هاجم حزب الله»، وأكّد أنه متتبّع لمكامن الفساد والمتورّطين فيه في لبنان، من دون أن تنجح محاورته في جرّه إلى ما تصبو إليه المحطّة من تحريض وتُهمٍ تُساق بحق الحزب