احتضنت «صالة مارك هاشم» في باريس أعمال التشكيلي اللبناني جورج مرعب (1960) تحت عنوان «الأشجار». المعرض نتاج احتفاليّات متنوّعة في لبنان منذ عام 2019، موغلاً في غابات مرحبة حيناً، غامضة حيناً آخر، حيث تصير الشجرة إلهاً معشوقاً. ولكونها تجربة مكثّفة، لم يشعر مرعب بأنّه مقيّد، بل كان منشغل العين دوماً، قلقاً أحياناً بفعل ضجيج ورشة بناء قرب محترفه. كانت رحلة علاجيّة له، تجاوزها بلا عوائق، محارباً الملل والخمول، محتفياً بالبهجة الجماعية، معبّراً على هذا النحو: «حين تكون فناناً، فإنّ الفعل يتمّ بشكل طبيعيّ تلقائيّ». طوال السنين الفائتة، استطاع جورج مرعب صبّ فيض مشاعره في غنائيّة الشجر رسماً ولوناً وتكويناً. لوحات المعرض تجميع لقطع من قماش فوق قماشة اللوحة، مطليّة ومقطّعة شرائح تُلصق ويُعاد طلاؤها لتشكيل غابات مترفة. والتجسيد المتدرّج للنبات وطبقات القماش أوصله إلى شجرة الأرز، الأجمل له، وهنا ينكشف تأثّره بالفنان اللبناني نبيل نحّاس. هو لا يرسم المكان، بل يجلب عالمه الخاص إلى هذا المكان. وإذ يؤوب إلى أشجار بلده، لا يرى مناظر طبيعية بل عواطف ومشاعر يمكن أن يلحظ فيها توجّهاً عقلانيّاً أيضاً يلجم الاندفاع الغنائيّ.
في لوحات جورج مرعب أصداء صوفيّة، مفعمة بأساطير المتوسّط، فهو يحتفي مثلاً بـ «فرس نوسترو»، مبتهجاً بروعة الطبيعة والوجود، فرحاً بليالي الصيف ونعيمها السماوي، مرسلاً التحيّة إلى مهرجانات جعلت البحر الأبيض المتوسّط مركزاً للعالم: بعلبك، قرطاج، أثينا، بومبي، روما، جبيل. فنّه مثال ونموذج للمتوسط المستنير ومعابده التي ترمز إلى وحدة الوجود. والمعرض يستند إلى ذاكرة الفنان ومعارفه، سواء الأسطوريّة (زوس يخطف أوروبا في منحوتة له) أو الواقعيّة الراهنة التي تتجلّى في ما يصفه هو نفسه بـ «مأساة الأشجار».
أصداء صوفيّة مفعمة بأساطير المتوسّط

جورج مرعب حسّاس إزاء المسألة البيئيّة التي تنضح في لوحاته على نحو دراميّ. عمله على الأشجار ثلاثيّة البعد، يدور حول جذوع الأشجار المقطوعة التي غُرزت فيها فؤوس القطع، تأكيداً على حالة البؤس البيئيّة التي نشهدها. يغيب اللون أحياناً ليشي بالحزن على الشجرة. في منحوتاته إدانة، وفي رسومه أمل وتفاؤل، لخلق توازن بين القبح والجمال البيئيَّين. عالم قد يكون جميلاً من بعيد، لكنّه عن قرب أقلّ بهجة بكثير من العالم الذي يودّ إعادة تشكيله فنّاناً. يُعيد اكتشاف لبنانه بأدقّ التفاصيل وأكثرها واقعيّة. يسعى في لوحاته إلى بهجة الطبيعة التي لا يعكّر صفوها إلّا فأس مغروزة في جذع شجرة.