تعقيباً على مقال الزميل عبد الله رامي «مراهقون» يعبثون بتركة نجيب محفوظ؟ (الأخبار 13/7/2022)، وردنا من مدير النشر في «ديوان» الروائي أحمد القرملاوي رداً ننشره كاملاً: «شد ما ساءني فيما أطالع باب «ثقافة وناس» في جريدة «الأخبار» اللبنانية، أن أجد تصريحاتي التي أدليت بها للصحافي الأستاذ عبدالله رامي، وقد تم تضمينها في موضوع بعنوان «أغلفة كيتش لعميد الرواية العربية: «مراهقون» يعبثون بتركة نجيب محفوظ؟» بما تحمله كلمة «كيتش» من تحقير لا يليق في معرض الحديث عن عمل إبداعي، اتفقنا حوله أو اختلفنا، بل الأسوأ في تقديري أن يُتهم المشاركون في صياغة هذه التصوُّرات الفنية الجديدة بالـ «مراهقين» الذين يعبثون بتركة محفوظ، وأن توضع أسفل العنوان صورة الأديب العالمي وملامحه يعلوها الامتعاض والاستياء، في مصادرة فجة على رأي نجيب محفوظ نفسه! العجيب أن يصدر هذا عن جريدة لها باع طويل في الدفاع عن حرية التعبير والمساواة. منذ متى صارت كلمة «كيتش» وصفاً موضوعيّاً ومقبولاً للتعامل مع جيل موهوب من شباب التشكيليين، وكيف يتم وصف فنانين تراوح أعمارهم بين 25 و35 عاماً بالـ «مراهقين» بقصد اتهامهم بقلة الوعي والنضج؟ الأدهش: متى صارت كلمة «مراهق» مرادفاً للسذاجة والسطحية وانعدام الكفاءة؟ هل تتحمل جريدة مرموقة ذات تاريخ مشهود مسؤولية تلك الرسائل التي تبعث بها للمبدعين الشباب من جهة، وللمراهقين من جهة أخرى؟ سؤال أنتظر عليه إجابة موضوعية لم أجدها في الموضوع المشار إليه أعلاه.وكممثل عن «دار نشر ديوان» وعن القائمين على مشروع نجيب محفوظ، أقول إننا ندرك تماماً حجم المسؤولية المحمولة على أكتافنا، ونتعامل مع عالم محفوظ بما يستحقه من تقدير وحرص على الإبداع والإتقان، وقد اعتزمنا من أول يوم أن نستلهم تجربة محفوظ وروحه التي نتلمسها في كلماته وعوالمه، فاتخذنا قرارنا بأن نجعل المشروع مساحة يتفاعل من خلالها جيل جديد من الفنانين مع إبداع محفوظ، بحرية كاملة وذاتية هي محل تقديرنا الدائم، فمحفوظ نفسه كان منفتحاً على البشر أجمعين، يلتقي الناس في الشوارع والمقاهي، ولا يفرض عليهم رؤيته وتأويلاته أيّاً كانت آراؤهم. تركنا أولئك الفنانين ينتجون إبداعاتهم ويعبِّرون بأساليبهم دون إملاء، فقد تعلمنا الدرس المحفوظي، وقررنا ألا نحبس عوالمه في رؤية فنية بعينها.
قمنا بالتعاقد مع فنانين شبان متخصصين في الخطوط العربية وتوظيفها في قوالب مبتكرة، وطلبنا منهم ابتكار الشكل المميز الذي سيُكتب به اسم نجيب محفوظ، وقد كافأوا ثقتنا بالكثير من البحث والابتكار. ومن قبل قمنا باختيار الفنان المصري يوسف صبري مخرجاً إبداعيّاً للمشروع، وطلبنا إليه صياغة التصورات الفنية الجديدة التي ستخرج بها أعمال محفوظ، فعاد إلينا بنتائج أذهلتنا وزملاء مبدعين أبهرونا، نالوا جميعهم ثقة الأستاذة أم كلثوم ابنة الأديب نجيب محفوظ ومباركتها. ونعتزم في المراحل التالية إشراك أجيال مختلفة ودمج فنانين متنوعين ليتفاعلوا مع أدب محفوظ وينتجوا رؤاهم الخاصة.
جعلنا المشروع مساحةً يتفاعل من خلالها جيل جديد من الفنانين مع إبداع «عميد الرواية العربية»


لا أريد الخوض كثيراً في هذا الاتجاه، بل سأترك «مشروع نجيب محفوظ» يكشف عن رؤيته ويحقق أهدافه وحده، كما لن أصادر الآراء مثلما يريد البعض أن يصادروا رؤى وتأويلات جيل جديد وموهوب منحناه فرصة التفاعل والتعبير بحرية عن عالم محفوظ، فلست كاهناً في معبد المعرفة المطلقة والرؤية الأحادية، غير أني أربأ بكم عن محاصرة أولئك الفنانين والنَّيل من تجاربهم، فهؤلاء هم القادرون على اجتذاب أقرانهم لعالم محفوظ، الذي لم يكن يوماً نخبويّاً ولا متعالياً على الغير، ولم يألُ جهداً في الإنصات للمواهب الأصغر سنّاً والدفع بهم لصدارة المشهد.
وكأني أنصت اليوم لمحفوظ فيما يهمس في أذن كل منا: «لا تجزع، فقد ينفتح الباب ذات يوم لمن يخوضون الحياة ببراءة الأطفال وطموح الملائكة».