يقرّ كمّون من جهة أخرى أن الفيلم يأتي غالباً من هاجس ما لديه: «الوحي هو دائماً مزيج من أشياء. الأفكار تأتي يومياً باستمرار. لكن لكي تتحوّل الفكرة فيلماً، نحتاج إلى شغف كبير وهوس للاستمرار. لسنا في بلد حيث الإنتاج السينمائي غزير ونمتلك ترف إنجاز فيلم كل ستة أشهر. على السينمائي أن يتحلى بالرغبة الكافية لإنجاز الفيلم هنا. فمزيج الرغبات والهواجس جعلني أحوّل «بيروت هولدم» من فكرة إلى أفكار ثم إلى فيلم. أعتقد أنني أعمل وفق الانطباعات التي أكوّنها عن الأشياء، فأمزج الهواجس والأفكار وأجعلها تتزاوج».
انتهى كمون من إنجاز «بيروت هولدم» عام 2019 قبيل الأزمة الاقتصادية، ولكن ما حصل تباعاً من تفشي كوفيد-19 والأزمة المادية حال دون إصدار الفيلم حتى هذا العام. علماً أنه عُرض في «مهرجان البحر الأحمر» في السعودية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. بيروت حاضرة بتفاصيلها اليومية وشوارعها ومخاطرها في الفيلم، وما يعيشه أبطالها من صعوبات ينطبق تماماً على ما تشعر به غالبية قاطنيها اليوم في ظلّ أقسى أزمة تمرّ عليهم. يقول المخرج إن الفيلم انتهى قبل الأزمة، مضيفاً: «ما نراه فيه ويشعرنا بالأزمة مصوَّر من قبل. هو نتيجة مراقبة وخيال وإحساس، أشبه بشيء عضوي. كل ما صوّرته مرتبط ببعضه. منذ فيلم «ظلال» القصير الذي أصدرته عام 1994 امتداداً لـ«فلافل» وصولاً إلى اليوم، اعتمدت دوماً على المراقبة والأحاسيس محاولاً التعبير عنها كما أعرف».
يستوحي الفيلم عنوانه من اللعبة الشهيرة، في إشارة واضحة إلى تحوّل الحياة في بيروت إلى أشبه بلعبة مقامرة، وكذلك حياة زيكو وأصدقائه في هذه المدينة التي تخبئ لهم كل يوم أمراً جديداً وتحديات أخرى قد تكون أصعب مما سبق. عن هذا، يعلّق كمّون: «هذا ما يحتّم علينا إنجاز الأمور بسرعة لأننا لا نعلم ما تخبئه لنا اللحظات المقبلة. تتحول حياتنا إلى مقامرة. نعيش لحظة الدراما إلى الحد الأقصى كما نفعل مع لحظات السعادة أيضاً. إذا أحبّ المرء، فعليه خوض المغامرة حتى النهاية مهما كانت النتيجة سواء كانت الدمار أو الفرح وكذلك الأمر إن كره. أعرف هذه الأمور لأنني أعيشها. هذا هو نبض الفيلم».
المراحل والطقوس تعبّر عن مرور الزمن في السينما
الرموز والطقوس الدينية لها مكانتها في الفيلم، من زواج كنسي إلى عمادة ومراسم الدفن. فكمّون يحبّ توضيح الإطار الاجتماعي الذي تعيش ضمنه شخصياته الآتية من مكان ما في النهاية: «ينتمي زيكو إلى هذه الفئة. لا أحب الأفلام التي لا نعرف فيها إلى أي مكان ينتمي الشخص. لا أتحدث هنا عن الدين، لكن أريد أن أظهر من أين يأتي. فالشخصيات التي لا نعرف من أين تأتي، نشعر كأنّها من دون يد أو قدم أو وجه، فضلاً عن الطريقة التي أستخدم فيها هذه الطقوس في المراحل الحياتية. هي محطات في السرد وطبقات عدة. المراحل والطقوس تعبّر عن مرور الزمن في السينما في محاولة لعكس مرور الزمن في الحياة».
* «بيروت هولدم» في الصالات بدءاً من الخميس