الرحلة بالنسبة إلى الصحافية والكاتبة السورية لانا الجندي كانت متعبة، إلى درجة أنّها بدت كمَن حفر الصخر بإبرة! بدأت من سوريا، فوسمت سنوات طفولتها بنصائح الشاعر الراحل محمد الماغوط الذي تربطها به قرابة أسرية، ومن ثم مرّت مع الزمن، ولو لماماً، على حكمة شيوخ كار الأدب والفن في العالم العربي. وبينما كانت دبي تبني لها حضوراً إعلامياً وازناً على كبرى الشاشات العربية، اعتصمت بمفردها لتبحث عن حلمها الهارب بأن تكون كاتبة. تجربتَان في القصة القصيرة، ومن ثمّ عدد كبير من لوحات «بقعة ضوء» إلى جانب عمل صحافي في مجلات فنية عريقة، من دون أن تسلم من التجريب في المسرح الإماراتي في أكثر من عرض، فيما أخذ التلفزيون وتقديم البرامج كلّ وقتها. أخيراً، تمكّنت تجاربها في الكتابة التلفزيونية والسينمائية من رؤية النور. في حوارنا معها، تبدو الجندي في غاية السكينة والرضى عما أنجزته. تعلّمت تقبّل النقد برحابة صدر كونها مارست النقد ولو بحدوده الضيّقة خلال شغلها الإعلامي. في البداية، نتساءل ما الذي يجعل صحافية عملت في منابر تلفزيونية مرموقة، تنتقل لكتابة الدراما التي وإن كانت جزءاً من الإعلام، إلا أنّها مهنة مستقلة إلى حد كبير تحتاج إلى مفاتيح ومقومات وموهبة وحضور مختلفة عن التقديم التلفزيوني؟ هل هناك ما يمكن قوله في الدراما لا يمكن الإضاءة عليه في الإعلام المرئي؟ تجيب: «الشيء الذي لا يعرفه إلا القريبون منّي، هو أنّني دخلت مجال الإعلام لكي أكرّس اسمي ككاتبة. بدأت في ميدان القصة القصيرة ولديّ مجموعتان مطبوعتان، وبعدها عملت على مشروع رواية لم تنته بعد. كان يصعب إكمالها لأنها تعتمد على شهادات حيّة من مئة امرأة عربية في العالم. الصحافة أخذتني كثيراً من الكتابة، لكنني لم أتوقف، إنما تحولت إلى كتابة النص الطويل، إذا صح التعبير، لأنني كتبت في سلسلة «بقعة ضوء» خلال سنوات، لكن المشروع الكوميدي وصل إلى أماكن لا تشبهني فتوقفت. واقترحت وقتها على شريكتي لبنى حداد مشروع ورشة سيناريو نجرّب فيها إنجاز ما نودّه من دراما. علماً أنني لم أتوقف يوماً عن الكتابة حتى صار لديّ مخزون ليس بقليل». وتابعت: «أعدت الشغل على نصوصي في وقت حظيت فيه بفرصة طلب صريحة من المنتجين على المسلسلات، خصوصاً القصيرة. هكذا، أنجزت بشراكة لبنى سيناريو مسلسل «عَ الحدّ» («شاهد» ــ إخراج ليال راجحة)، والأكيد أنّ الكتابة أتاحت لي فرصة قول ما لا أستطيع سرده في الإعلام، خصوصاً أنّني من هواة الروي، ولديّ من التراكم ما يخوّلني لأن أصوغه بخبرة شخصية على شكل دراما، آمل أن تكون جذابة ومتماسكة وتترك أثراً جيداً».
في سياق متصل، نعتقد كما كثيرين أن الضجة التي أثيرت حول مسلسل «ع الحد» ارتبطت بـ «جرأة» الشخصية الرئيسية التي أدّتها النجمة سلافة معمار، كونها لا تشعر بتأنيب الضمير ولأنّها تقيم علاقة مع زوج صديقتها. مع العلم أنّه كانت هناك هفوات متعلّقة بمبررات ودوافع شخصية رئيسية وبعض الشخصيات الأخرى، إضافة إلى وجود خلل إخراجي صريح في كثير من التفاصيل، وربما غياب سلامة السرد في بعض الأماكن. مع ذلك، حقّق المسلسل، بعد عرضه، جماهيريةً عالية. ما رأيك بالتجربة من وجهة نظرك كشخص كان يقيّم من خلال مشوار طويل تجارب الآخرين أو يتحاور معهم حولها؟ تجيبنا الجندي: «لنتفق بأنّه لا يوجد نص كاملاً. هناك دوماً بحث عن كتابة النص الملفت، لكن لغاية الآن وبحكم عملي، لم أر مسلسلاً لا ينطوي على عثرات. أما الأخطاء الإخراجية، فالأكيد أنني لست مسؤولة عنها. لأكون أكثر تحرراً في الجواب، لا بد من التنويه بأن الجمهور اليوم لا يحكم بعقلانية، إذ لا يتسم نصّنا بالجرأة الزائدة، لأن الأشياء الذي حكيناها هي الأشياء العادية التي تحصل في يومياتنا. نحن لم نغص بعمق صادم. الخائن أصلاً لا يفكر مرة أو أكثر، إنما يرتكب فعل الخيانة ويبحث بعدها عن مبررات. أكيد لا يوجد لدى الشخصية المحورية تأنيب ضمير لأنها بحثت وأوجدت لنفسها ذرائع شخصية كافية. شخصياً، شاهدت المسلسل بطريقة مختلفة، وأعتقد أنّ هذه أول بطولة سورية في لبنان لممثلة وليس لممثل، نحن جربنا العمل على شكل جديد للدراما المشتركة على أن تكون البطلة الأنثى هي حاملة الحكاية كلها، وأعتقد أننا نجحنا، بأمارة التفاعل الكثيف من قبل الجمهور مع تفاصيل العمل وشخصياته على صفحاته الشخصية. لذلك نجح المسلسل والمقولات التي كتبناها هي التي علقت في الذهن، لا المشاهد الجريئة، علماً أن العمل لم يقدم أي مشهد جريء أو خادش أو خارج عن السياق المعتاد للمادة التلفزيونية».
يأخذنا الحديث إلى مشاركة الجندي في المهرجانات الدولية وإجراء حوارات مع نجوم عالميين مكرسين. نسألها: ماذا قدمت هذه الحالة؟ وهل استطاعت أن تمهد لمنطق وأسلوب كتابة مختلف بالنسبة إليها بذريعة بناء حوارات مع أسماء سينمائية كبيرة على مستوى العالم؟ تجيب كاتبة «الغريب»: «وجودي في مهرجانات عالمية وفرصتي للقاء الكثير من صناع السينما والدراما العالميين، جعلني أطّلع أكثر. علماً أنني لا أفوّت مشاهدة أي عمل أجنبي على منصات عالمية منها: Hbo، «نتفليكس»، «أمازون». لكن السينما والمهرجانات أتاحت لي مشاهدة أعمال لا تعرض نهائياً لا على المحطات ولا على المنصات العالمية. كنت دائماً كلما أشاهد عملاً هاماً في المهرجانات أصاب بالدهشة، ترافقني خيبة أمل كبيرة، وسؤال وحيد: لماذا لا نستطيع فعل ذلك بهذه الشفافية والبساطة؟! وسأخبرك الجواب، لأن المنُتَج الكتابي الدرامي، أو حتى السينمائي ولو أقل قياساً مع الدراما، ليس منتجاً فردياً ينسب للكاتب وحده، إنما يتم التدخل فيه من قبل رأس المال لاعتبارات إنتاجية وتسويقية. هكذا، يمكن حذف مشاهد مكلفة أو أدوار صغيرة لا يمكن تأديتها إلا من قبل ممثل محترف وأجره كبير. لذا سوف تكتشف ككاتب دراما أن هناك عوائق كثيرة تقف في وجه النص. أتذكر في إحدى ورشات العمل في الكتابة والإخراج مع المخرج العالمي بيتر ويبر، حدثته حول فكرة فيلمي القصير الأول «مراية» (كتابتي وإخراجي)، وهو فيلم صامت يحكي عن علاقة الفرد بنفسه وكيف يمكنه تكريس حبّه لنفسه. سألني يومها لماذا أرغب في إخراجه، فأجبته في كل مرة أتفق فيها مع مخرج، فإنّه يأخذ الفيلم بعيداً عن جوهر النص، لذا اضطررت للخضوع لورشات ودراسة الإخراج حتى أنجز فكرتي كما أودّ تقديمها. وهذا كان اقتراح منتجة الشريط المصرية شاهيناز العقّاد (لاغوني فيلم برودكشن) رغبتي كانت ولا تزال هي تقديم الأشياء كما هي، وبمسمياتها، من دون التفاف حول الحكاية، ولا أريد لأحد أن يعلّمني كيف أسرد حكايتي. في العالم العربي دائماً يجب وجود مُشرّع ما لكي تروى القصة».
فيلم «الثقب الأسود» حكاية نسائية خالصة تهّم المرأة في كل أصقاع العالم


تسألها عن آخر أعمالها مسلسل «الغريب» (كتابة الجندي مع لبنى حداد وإخراج صوفي بطرس وبطولة بسّام كوسا وفرح بسيسو وإنتاج «الصبّاح») الذي يفترض أن تعرضه منصّة «شاهد» بعدما انتهت عمليات التصوير. ماذا يمكن أن تخبرينا عن القصة بالحدود المتاح لك فيها، بخاصة أن «الصبّاح» تحرص في عقودها على سرية غالب ما تصوره؟ تجيب الجندي: «جربنا في هذا العمل، أن نترجم ما كان يعترينا من هواجس لها علاقة بتكثيف قصة لأشخاص تجاوزت أعمارهم الأربعين، على أن يكونوا هم أبطال الحياة. الدراما التي تقدم حالياً تركّز على عنصر شاب يقود هو الحكاية، لذا جرّبنا صناعة حالة مختلفة، وكان مشروعي مع لبنى حدّاد تقديم أشياء لم نرها عربياً. هكذا، ذهبت البطولة مناصفة بين بسام كوسا وفرح بسيسو ليقودا خيوط الرواية التلفزيونية من أوّلها حتى النهاية». وعن بقية المشاريع التي تطبخ على نار حامية، توضح مذيعة «سكاي نيوز عربية»: «أعمل على فيلم مصري بعنوان «101» ينتمي إلى نوع الأفلام «لايت دراما» بعيداً عن الكوميديا، وفيلم «الثقب الأسود» مع المخرج السوري سيف الشيخ نجيب، وأعتقد أنني تحدّثت في هذا الفيلم عن كل شيء أود قوله لأنه كتبه على مدار خمس سنوات، وسيتم تنفيذه قريباً وهو حكاية نسائية خالصة تهمّ المرأة في كل أصقاع العالم. كما أنجزت مسلسلاً من 10 حلقات بعنوان مبدئي هو «وجه الشيطان» بالشراكة مع السيناريست والمخرج السوري فادي سليم كتابةً، وهو ينتمي للأكشن دراما». وتختم السيناريست السورية بالقول: «صحيح أنني كتبت بعض التجارب لوحدي، لكنني ضد أن تكتب الدراما من قبل كاتب واحد، فكلما كانت لديك شراكات في المسلسل، كلّما اتسعت فرصتك بالنجاح أكثر. بعض الحلقات في الدراما العالمية يشترك في كتابتها 22 كاتباً. أما في العالم العربي، فكلّ يريد نسب النجاح له بسبب غياب التوازن عند الكثير من الكتّاب. وهو ما أعتقد أنني تخطّيته بعد عمل طويل في الإعلام وعلى الشاشات المكرّسة».