واجه الإعلام الغربي خلال عام 2022 اختبارات عدّة، تمثّل أبرزها في أربعة عناوين أساسية، هي: استشهاد الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، الحرب الروسية الأوكرانية، بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر، واستحواذ إيلون ماسك على تويتر. لم تمرّ أيام على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، حتى سقطت ورقة التوت عن الإعلام الغربي. وجوه إعلامية غربية «هالها» مشهد تدفّق اللاجئين إلى أوروبا. بينما أمعنت المنابر على اختلاف أشكالها وجنسيّاتها في استدعاء مفردات تنمّ عن أبلسة «الشرق» ووسمه بـ «التوحّش» و«التخلّف»، سمعنا على لسان أسماء معروفة عبارات تنتمي إلى عصور غابرة، كتلك التي تفوّهت بها مراسلة شبكة NBC الأميركية كيلي كوبيلا: «هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا. هؤلاء مشابهون للأشخاص الذين يعيشون في بولندا». أما مذيع «هيئة الإذاعة البريطانية»، روس أتكينز، فاستمع إلى ضيفه السياسي الجورجي ديفيد ساكفاريليدزي وهو يُعرب عن حزنه لرؤية «أوروبيين بعيون زرقاء وشعر أشقر يُقتلون» من دون مقاطعته، في الوقت الذي هزّ فيه المذيع الفرنسي ليونيل غوجولوه في إذاعة «أوروبا 1» رأسه موافقاً على كلام رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية، جان ــ لوي بورلانج، الذي أبدى سعادته باللجوء الأوكراني: «ستكون بلا شك هجرة عالية الجودة وفيها مثقفون». من ناحيتها، أصرّت قناة BFM الفرنسية اليمينية على تكرار الخطاب نفسه عبر شاشتها: «فنحن لا نتحدث عن سوريين يهربون من قصف نظامهم المدعوم من بوتين، بل نتحدث عن أوروبيين يقودون سيارات كسياراتنا».
هذه عيّنة صغيرة من الخطاب المقزّز الذي ساد الإعلام الغربي خلال الأشهر الماضية، والأمين للخطاب الاستعماري الأبيض المؤسِّس له والمتحكّم بالسردية الرسمية وصياغة الرأي العام.
في أيار (مايو) 2022، أضيفت سقطة جديدة إلى سجلّ الإعلام الغربي مع إضافة جريمة صريحة جديدة إلى سجل جيش العدو الإسرائيلي على مرأى ومسمع من العالم أجمع. في وضح النهار، وأمام عدسات الكاميرا، أطلق قنّاصون صهاينة النار مباشرة على رأس مراسلة قناة «الجزيرة» شيرين أبو عاقلة (1971ــ 2022) في نقطة لم تكن محلّ اشتباكات أو تبادل لإطلاق النار، بل مجموعة من الصحافيين الذين يرتدون السترات والخوذ الواقية.
أثار استحواذ إيلون ماسك على تويتر جدلاً ساخناً حول حرية التعبير


هكذا، سقطت الصحافية الفلسطينية أرضاً بعدما قضت نحو ربع قرن في قلب الأخطار، وعلى تماس مباشر مع الموت، ناقلة بالصوت والصورة جرائم الاحتلال على الأراضي الفلسطينية.
ولدى نقل النبأ، تبنّت غالبية وسائل الإعلام الأجنبية الرواية الإسرائيلية التي أصرّت على التملّص من المسؤولية وتزييف الحقائق التي وثّقتها كاميرات زملاء شيرين الذين شهدوا على الجريمة التي أودت بحياتها. ومن بين هذه المؤسسات نذكر: صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، وكالة «أسوشييتد برس»، صحيفة «ذا غارديان» البريطانية وغيرها. تفوّق العدوّ على نفسه في كمية الأخبار الكاذبة التي بثّها، وما كان ينقص المشهد يومها إلا أنّ يقول: شيرين أبو عاقلة قتلت نفسها.
أحد أبرز أحداث العام كان رياضياً أيضاً. قبيل إطلاق صفارة بداية المونديال الذي استضافته الدوحة بين تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأوّل (ديسمبر) 2022، برزت إلى الواجهة حملة إعلامية غربية غير مسبوقة ضدّ هذا البلد، علت خلالها نبرة تصفه بأنّه «دولة حديثة التأسيس» تعلو فيها المباني الشاهقة على أجساد العمّال الأجانب المنهكين والمضطهدين، مع التركيز على رهاب المثلية «المستحكم فيه»، وسط دعوات إلى المقاطعة بذرائع قيمية وأخلاقية وحقوقية وجندريّة.
بغض النظر عن الأسئلة المشروعة المطروحة حول واقع حقوق الإنسان في الدولة الخليجية، رسّخ الأداء السائد ازدواجية المعايير التي يعتمدها الإعلام الغربي، وخصوصاً في ما يتعلّق بحرية التعبير والقضية الفلسطينية وحملة مقاطعة «إسرائيل».
أخيراً وعلى صعيد مواقع التواصل الاجتماعي، أثار استحواذ إيلون ماسك على تويتر في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2022 في مقابل 44 مليار دولار، جدلاً ساخناً حول حرية التعبير. المسألة مرتبطة بمواضيع عدّة وخطوات كثيرة أقدم عليها الملياردير الأميركي (تراجع عن بعضها)، ربّما أهمّها العلامة الزرقاء التي تؤكد صحة الحسابات على تويتر. بعد إتاحة إمكان توكيد صحة الحساب في مقابل مبلغ ثمانية دولارات في الشهر، اضطرت تويتر إلى تعليق هذا النظام الجديد بعد يومين. فنظراً إلى عدم التحقق من الهوية، زوّرت حسابات مشاهير وشركات كبرى، من لاعب كرة السلة ليبرون جيمس إلى نينتندو. وفي نهاية تشرين الثاني (نوفمبر)، أعلنت تويتر أنّ العمل سيبدأ قريباً بشارات جديدة لتوكيد الهوية بألوان مختلفة لتمييز الحسابات المتحقّق منها على الشبكة الاجتماعية: شارة ذهبية ستخصّص للشركات ورمادية للحكومات وزرقاء للأفراد.