يبدو أن مشاركة لبنان في «معرض براغ للسينوغرافيا»، كانت «بطلوع الروح»، بسب غياب دعم الجهات والوزارات المعنية، والصناديق الثقافية. وحده المنسّق الفني، هادي دميان، أخذ الأمر على عاتقه، وشكّل خلية عمل مصغرة، للمشاركة في دورة عام 2023. يؤكد دميان لنا أنّ هذا المعرض، هو الأكبر في العالم، لناحية السينوغرافيا، يُقام كل أربع سنوات في العاصمة التشيكية. من أبرز محطاته «معرض الدول والمناطق»، و«معرض الطلاب». يقول دميان عن المشاركة في هذه الدورة، «إنه لم يكن ممكناً تقديم واقع مغاير، عما نعيشه في لبنان». من هنا وقع الاختيار على الفنان والسينوغرافي شربل صموئيل عون لتمثيل لبنان، في «معرض الدول والمناطق»، مع عمله الفني الذي حمل عنوان «نفس في حفرة»، والطالبة مارا إنجا بعملها «ألغاز» في «معرض الطلاب»كان شربل صموئيل عون، قد اقترح، في بادئ الأمر، إقامة مساحة مصنوعة من الزجاج، تحتها يوجد «ميكروفونات». وما إن يمشي زوّار المعرض على العمل، تصدر أصوات الزجاج المطحون، ويزداد تصدّعه الذي يستحضر أحداثاً شبيهة بالرابع من آب، وقت انفجار مرفأ بيروت عام 2020. لكن بسبب الأزمة الاقتصادية وشح التمويل الذي يعانيه لبنان، تعذر على الفريق اللبناني، تقديم هذه القطعة الفنية، ما استرعى انتباه المنظمين، وعليه تم إلغاء رسوم مشاركة لبنان، في «معرض براغ للسينوغرافيا». وبناءً عليه، اتجه عون إلى تقديم عمل توثيقي تحت عنوان «نفس في حفرة»، كان قد صوّره على إثر انفجار 4 آب، عندما بدأ يحفر في مرآب فارغ للسيارات، في منطقة مار مخايل في الجميزة، على ضوء الشموع. انطلاقاً من السياق السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، الذي تم العمل فيه، يطرح الفيلم تساؤلات عدة أبرزها: كيف يكون الدمار طريقاً إلى وجود جديد؟ وكيف تكون الحفرة مساحةً تجسّد الانتماء في الإسفلت وطبقات الحضارة.
أما بالنسبة إلى «ألغاز» الذي مثل لبنان في «معرض الطلاب»، فقد جسدته مارا إنجا التي تدرس الفنون في تشيكيا، ضمن خمس محطات تفاعلية. على سبيل المثال، يشد الزائر حبلاً، فتتحرك بعض الأغراض، منها الطناجر مثلاً، وتصدر أصواتاً كان يصدرها اللبنانيون لدى الاحتجاج في «ثورة 17 تشرين». الأغراض هذه، مصنوعة من أشياء مُعاد تدويرها وآليات بسيطة، يتفاعل الزوار معها، فلمّا يسحب الزّائر «الكابلات»، تتصادم الأواني والمقالي، «أو قد تتحرّك المكانس للتنظيف، وتتحرّك بهذا الشكل الصوامع، ويمتلئ الدلو لتشييد مبنى، وتُشَدّ الحبال وتتحرّك المقابض». يدخل الزائر، إلى معرض مارا، ويتفاعل. وعند تحريك الأغراض الصغيرة، تحدث تغييرات صغرى، ومع تتابع المحطات، تحدث تغيرات أكبر. يشير ذلك إلى أن عملية التغيير تتوسع، وتمتد، نتيجة تراكمات معينة. «يأتي التغيير أحياناً على الفور، وأحياناً تراكمياً مع الوقت والتكرار». علقت مارا، أيضاً، نصوصاً كتبها سكان بيروت، خلقت محاكاة حضريّة ميكانيكيّة، تجسد الخوف، والموت، والاضطهاد، الذي يعيشونه في المدينة، ما جعل الزائر متشابكاً مع الراهن اللبناني، وقدم دليلاً مؤثّراً وحميماً، جعل مدينة بيروت مبنية من الذكريات والتأمّلات والدّعوات والأحلام. استوقف هذا المعرض لجنة التحكيم الدّوليّة التي رأت فيه «كتالوغاً مؤثِّراً وحميماً لمدينة ديناميكية مفتوحة في أزمة دائمة، فنجح العمل في تأطير عالم في حالة تغير واختلال مستمرين، بعناية ومن دون الانزلاق إلى العاطفة» فحصل معرض «ألغاز» على جائزة «أفضل معرض طلابي».
يؤكد هادي دميان، أن كل العوامل لم تكن مكتملة، لمشاركة لبنان، لكن إرادة المشاركين وقدراتهم، حققت نجاحات كبيرة، في أهم معارض السينوغرافيا في العالم. أتت المشاركة وسط غياب الدعم الحكومي، والصناديق الثقافية، والمنح الفنية. لكن ذلك لم يثن القيّمين، وتحديداً هادي دميان، للاستثمار والتشبيك والانفتاح والتواصل الفني، بين لبنان، والدول والمناطق كلها.