قد نتجاوز كل ما ورد في مقال الزميل بشير صفير «ثلاثة عقود مليئة بالتحولات» من تعامٍ عن الواقع الفلسطيني سياسياً وفنياً، في الداخل والشتات، وقد نتجاهل رأيك في «مفهوم النضال» اليومي للشعب الفلسطيني ولكاميليا جبران، وقد نتغاضى عن جهلك بما يحدث للفلسطينيين من «أهل الشاطئ والشاطئ الآخر» على الحدود الجوية والبرية اللبنانية (ومن بينهم شقيق كاميليا خالد جبران، الذي رغم تأخير السفر مرتين من قبل الأمن العام اللبناني، تمكّن من أن يظل فرحاً ببيروت كطفل كما ذكرت في مقالك). قد نتجاوز الكثير من النقاط من بينها وصفك صوت كاميليا بأنّه «لم يكن خارقاً»، مع العلم أنّه من الأصوات المثقفة المهذبة المشذبة القادرة موسيقياً، وغير المتكلفة التي تحمل هوية واضحة بوصفها أحد الأصوات العربية القليلة الباقية. كل هذا لا يهم، لكني لم أستطع الا أن أردّ على المقطع الأخير من مقالك:
تقول: «ثمة سقف لا تتخطاه كاميليا منذ انتقالها إلى أوروبا، لأنّ تخطيه عقوبة يحاسب عليها القانون بدعوى معاداة السامية، ونتائجه لناحية الإنتاج والنشر الأوروبيَّيْن كارثية! الكلام عن القضية والاحتلال تلميحاً هو المطلوب حصراً. الكلام عن معاناة الضحية وعذاباتها وحقوقها المسلوبة، مطلوب أيضاً طالماً أن الصيغة الأدبية تُبقي الفاعل مجهولاً!» جميل أن يكتب «المثقف» مقالاً خلف مكتبه، خفيفاً نظيفاً، لكن أن تحكي عن هذه المغنية كأنّها جمعية لبنانية مموّلة من الاتحاد الاوروبي فهو مهزلة! لا أعرف مدى معرفتك بكاميليا، وعلى أي أساس بنيتَ رأيك، لكن بحسب معرفتي المتواضعة جداً بها، لا أرى في ما كتبتَ الا محض تزوير! منذ سنواتها الأولى في سويسرا ثم في فرنسا، حملت كاميليا هماً موسيقياً وسياسياً لم تقدر على استيعابه تجربتها الرائدة مع فرقة «صابرين» (حتى «صابرين» لم تتكل على الدبكة في أغنيتها الثورية)، وكاميليا حلّقت لاحقاً خارج سرب الكلّ، الأغنية والموسيقى والكلمة والأداء والشرقي والغربي معاً، هذه الحرية المطلقة التي بحثت عنها على كل الأصعدة لم تحدها يوماً أوروبا، كما لم تحدها اسرائيل عندما قدمت تحت سقف الاحتلال خناجر موسيقية بصوت لم يتردد يوماً في توجيه الطعنات للعدو الواضح التسمية في فلسطين وعندنا، ولهموم الحياة الكثيرة التي قد تكون أو لا تكون من تبعاته، وتمس الانسان في عمقه أينما وجد. يصلح القول في كاميليا إنّها صارت حالة انسانية عامة، من المجحف حصرها بفلسطين، وتطويقها الا بكثير من التقدير.