«الجنس والجندر» هو التيمة التي اختارتها جوسلين صعب (1948) لأفلامها القصيرة الستّة التي أنجزتها برعاية «متحف حضارات أوروبا ودول البحر المتوسط». أُنجزت مرحلة ما بعد الإنتاج في شركة «بوست أوفيس» في لبنان، مما أعطى فرصة للصحافة المحلية كي تطلع على هذه الأعمال.
وكما تدلّ التسمية، يطلّ المتحف الجديد في مرسيليا على البحر ويقع قبالة جزيرة صغيرة تضمّ قلعة «إيف» الشهيرة من رواية «كونت مونتي كريستو» لألكسندر دوما. إنّه تحفة فنية من توقيع المعماري رودي ريشيوتي الذي اختار تزيين المبنى بواجهة وسطح من المشربية، في نمط متوسطي شرقي (راجع الكادر). يحتضن «متحف حضارات أوروبا ودول البحر المتوسط» هذه الأيام معرض «الأسود والأزرق، حلم متوسطي» تحت رعاية المشرف تيري فابر الذي يعبّر عن الأحلام الكبرى منذ القرن التاسع عشر التي لا بدّ أن تشمل حملة نابوليون على مصر عام 1798، أي الغزو العسكري الذي حاول نابليون من خلال خطابه واستراتيجيته تصويره كفعل مقاومة ضد الوجود المملوكي، من خلال استخدام الإسلام كأداة وتقديم نفسه «كمدافع عن القرآن». بعد استعراض التاريخ، يتناول المعرض الثاني «بازار الجندر» الذي يضمّه المتحف تحولات منطقة الشرق الأوسط والتطورات الجندرية ووضع المرأة. هذا ما دفع المشرف عليه دوني شوفالييه إلى طلب 6 أفلام قصيرة من السينمائية اللبنانية تتمحور حول «الجنس والجندر» في شرق المتوسط. اختارت جوسلين صعب عنواناً عريضاً هو «مقهى الجندر» لأفلامها الستة (30 دقيقة كل واحد) حيث ترصد سيرة ستّ شخصيات بين القاهرة واسطنبول والجزائر وبيروت. علماً أنّ عرض الأفلام في المتحف الفرنسي يستمرّ حتى 6 كانون الثاني (يناير).
في «مقهى الجندر 1ــ المجنون الأخضر»، تلتقي صعب بالكوريغراف المعروف وليد عوني الذي يطلّ بعدما طلى وجهه بالأخضر، فيحاول التعبير من خلال الحركات وما قلّ من الكلام، عن ألمه لتخلّي مصر عنه بعدما كرّس كل جهوده على مدى 20 سنة لخدمة مدرسة الرقص الحديث التابعة لـ«دار الاوبرا» في القاهرة. أمّا الراقص والكوريغراف ألكسندر بوليكيفيتش فخصته صعب بشريط «مقهى الجندر 2 ــ طاولة الرقص والكبرياء». يستعرض الشريط خطوات راقصة ثابتة وحاسمة تتنقل في ظلال تاريخ بيروت المدمر والمشوّه، وفي ظلال التاريخ الشخصي لضحية عنف الشارع المشوّه أيضاً. هذا الفنان الذي قرّر عيش مثليته على الملأ، يحوّل شتائم الشارع العنيف لوحات راقصةً بالأحمر على خلفية سوداء. من لبنان والقاهرة، تدخل جوسلين صعب اسطنبول في «مقهى الجندر 3: طاولة العضو الذهبي» مع مالك أوزمان وجنيت سيبنويان. يركّز الشريط على المكانة المقدسة التي يحتلّها العضو الذكري في شرق المتوسط. من خلال رواية مالك أوزمان، نتعلّم أن الشخص الأول الذي يُعلّم الرجل أهمية عضوه الذكري هو والدته، الضحية الأولى للذكورية! ثم تعود صعب إلى مصر في «مقهى الجندر 4: طاولة رسم الفراعنة والراقصات». هنا، تلتقي بالفنان المعروف عادل السيوي الذي انتقل من رسم الفراعنة إلى رسم جسد المرأة والراقصات للمحافظة على صورة مصر التي لا تنسجم مع الصورة الظلامية التي يحاول بعضهم إلصاقها بها اليوم. الجسد أيضاً يخيّم على ثيمة شريط «مقهى الجندر 5» الذي يركّز على ولادة مجلة «جسد» للصحافية والشاعرة جمانة حداد.
وأخيراً، يأتي «مقهى الجندر 6: مجلة المطالب» مع الناشطة والكاتبة الجزائرية وسيلة تمزالي التي تشرح كيف «تمرّ الثورة من خلال أجساد النساء وعبر تحرّر النساء». باختصار، تبيّن جوسلين صعب في أفلامها الستة كيف أنّ الرجل والمرأة هما ضحية التعريف الخاطئ للرجولة، وضحية منظومة كاملة تقوم على العنف الذكوري.



الفن للجميع

ضمن فعاليات «مرسيليا، عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2013»، جاء افتتاح «متحف حضارات أوروبا ودول البحر المتوسط». قررت الدولة الفرنسية ومقاطعة «الألب ــ كوت دازور» استثمار مبلغ 19 مليون يورو بهدف جعل الفن لا مركزي وغير محصور في العاصمة وحدها، انطلاقاً من الروحية نفسها التي ساهمت في إنشاء مركز «مومبيدو» في ميتز. شمل المشروع الاستثماري إعادة تأهيل قلعة «سان جان» الواقعة مباشرةً فوق الميناء العتيق للمساهمة في تطوير اقتصاد المدينة من بوابة الثقافة. ومن المتوقع أن يزور نحو 300 ألف شخص سنوياً المتحف الجديد الذي افتتحه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في 4 حزيران (يونيو).