يمثّل أكرم زعتري (صيدا ــ 1966) لبنان في الدورة 55 من «بينالي البندقية» التي تستمر حتى ت2 (نوفمبر) ٢٠١٣ من خلال «رسالة إلى طيار رافض». العمل من إنتاج APEAL (مفوّضة من قبل وزارة الثقافة اللبنانية) التي اختارت مؤسسي Art Reoriented اللبناني سام بردويل والألماني تيل فيلراث منسقين فنيين. بدورهما، اختار الاثنان أكرم زعتري لتمثيل لبنان في البندقية.
يفتتح الفيديو على مشهد يضع فيه الفنان كتاب «الأمير الصغير» على شاشة ضوئية، ويتصفّحه أمام عدسة الكاميرا. ذلك المشهد البسيط يقدم المفاتيح لقراءة الفيديو. يرسم زعتري منحوتة ومدرسة وطائرة على أوراق بيضاء في بداية الفيديو، مثلما طلب الأمير الصغير من الطيار أنطوان أن يرسم له خروفاً في الرواية. وبدلاً من أن نجول ونتعرف مع الأمير الصغير إلى كوكبه، نذهب مع زعتري إلى «ثانوية صيدا الرسمية للبنين». لتلك المدرسة مكانة خاصة لدى الفنان. والده هو الذي أسّسها، وأشرف على إدارتها لسنوات، كما أنها تقع قرب بيت طفولته، فضلاً عن أنّه عايش حادثة قصفها وإعادة إعمارها. هكذا يرينا في البداية بعض الصور الفوتوغرافية الخاصة بالعائلة الملتقطة في باحة المدرسة، ثم ننتقل إلى مشاهد معاصرة التقطها في الحاضر.
هنا، سيفرد زعتري مساحة كبيرة لتصوير المدرسة: الملعب، والممرات، والمبنى، والتلاميذ، والأبنية، مركزاً على مشاهد تتوسطها منحوتة لألفرد بصبوص في حديقة المدرسة. أكان عبر اللقطات الثابتة الطويلة، أم حركة الكاميرا البطيئة من خلف المنحوتة التي تحتل جزءاً كبيراً من الفيديو، يخلق زعتري علاقة حميمة بين المشاهد ومبنى المدرسة. علاقة يخيّم عليها جو من السكينة لا تبتعد عن العلاقة المتخيّلة للأمير الصغير بكوكبه. ورغم أنّ المشاهد ملتقطة في الحاضر، إلا أنّ إيقاعها يحمل ثقل ذكريات عاشها أكرم الصغير في زوايا ما نراه اليوم أمامنا. ثم نرافق لؤي حنفي الذي يلعب دور الفنان في مراهقته، وهو يصنع الطائرات من أوراق الامتحانات الرسمية مع رفاقه ويطيّرونها في الهواء فوق صيدا. في الفيديو، تتحوّل تلك الطائرات الورقية إلى طائرات حربية تلقي حمولتها فوق البحر بدلاً من تدمير المدينة، في إشارة إلى رواية تداولها أهل صيدا عام ١٩٨٢ عن طيار إسرائيلي رفض قصف «ثانوية صيدا»، فأفرغ حمولته من الصواريخ في البحر، قبل أن ترسل القوات الإسرائيلية طياراً ثانياً ليقصف المدرسة. ننتقل بعدها إلى مشاهد المدرسة ومحيطها المهدّم عبر صور من الأرشيف، أو عبر يوميات شقيق الفنان الذي وثق زيارة العائلة للمدرسة بعد قصفها. يعرض زعتري مشهداً من وثائقي إسرائيلي يروي اجتياح لبنان، ويختار منه مشاهد تظهر قصف المدرسة والمباني المحيطة، ليختم الفيديو على صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود تعود إلى زمن بناء المدرسة ضمن مشروع «مصلحة التعمير» مع طفلين يلعبان في الحقل الظاهر في مقدمة الصورة، وموسيقى «بعيداً عن الأرض» لعمر خورشيد.
إذاً، نحن أمام فيديو أوتوبيوغرافي يقدّم جزءاً من تجربة عايشها زعتري في مراهقته. أما قصة الطيار الذي رفض قصف المدرسة، فليست إلا تفصيلاً في قصة الفنان وعلاقته بثانوية صيدا. حتى إن عنوان الفيديو «رسالة إلى طيار رافض» يحيلنا إلى كتابات ألبير كامو «رسائل إلى صديق ألماني» الذي يتوجّه فيها إلى صديق خيالي أصبح نازياً. فهل الطيار الإسرائيلي متخيّل، كما في كتابات كامو والطيار «أنطوان» في رواية «الأمير الصغير»؟ في الحقيقة، ليست قصة الطيار من نسج الخيال. بعدما نشر أكرم زعتري كتابه «حوار مع سينمائي إسرائيلي متخيّل يدعى آفي مغربي» عام 2012، ذاكراً فيه القصة المتداولة في صيدا عن الطيار الرافض، اتصل به سيث أنزيسكا (أستاذ في «جامعة كولومبيا») وأكّد له أنّ الطيار حيّ يرزق ويدعى هاغاي تامير، وكان قد التقى به سابقاً وأخبره الرواية بنفسه. لكنّ زعتري لا يستثمر قصة رفض الطيّار في الفيديو، بل يذكر معلومة واحدة قالها تامير بأنّه تنبه بسبب خبرته كمهندس معماري الى أنّها مدرسة أو مستشفى، فقرر عدم قصفها قائلاً «إن بناء مدينة يتخذ وقتاً أكثر بكثير من إصابة الهدف». بذلك، جعله زعتري فقط جزءاً من الرواية، روايته الخاصة، من دون أن يحوّله بطلاً أو يمجّد خياره. طرح الرواية الشخصية ضمن سياق رواية «الأمير الصغير» و«رسائل إلى صديق ألماني»، خيار يدعونا إلى قراءة الفيديو في نظرة فلسفية طفولية تنادي بقيمة العدالة فوق كل شيء. في «الأمير الصغير»، يرسم الطيار أنطوان صندوقاً ويترك الأمير الصغير يتخيّل ما يريده بداخله. أما أكرم زعتري، فرسم صورة لثانوية صيدا التي قصفها طيّار إسرائيلي عام ١٩٨٢ بعدما رفض الأول قصفها، وترك لنا أن نتخيّل ما نشاء.



«رسالة إلى طيار رافض» لأكرم زعتري: حتى 24 تشرين الثاني (نوفمبر) ــ «بينالي البندقية»
http://www.labiennale.org/en/art