القاهرة | قبل يومين، أعادت «الجزيرة» عرض الوثائقي الشهير «صناعة الكذب» الذي عرضته للمرة الأولى في كانون الثاني (يناير) 2012. الفيلم الذي أخرجه شريف سعيد، رصد وسائل التضليل التي استخدمها إعلام نظام مبارك لمواجهة «ثورة يناير». الهدف من إعادة العرض واضح: تريد «قناة الرأي والرأي الآخر» التأكيد أنّ ما فعله إعلام مبارك يتكرّر من الإعلام نفسه الموالي «للانقلاب» الذي أطاح محمد مرسي كما يسمّيه الإخوان. بالتالي، تقول «الجزيرة» لمشاهديها: لا تصدّقوهم وصدقوني أنا فقط. لكنّ القناة القطرية غاب عنها أنّها تستخدم الأساليب نفسها التي اتبعها إعلام مبارك ضد ميدان التحرير، مع فارق كبير، هو أنّ العقول الناقدة باتت أكثر حضوراً في الساحة.
وقت الثورة على مبارك، لم يكن ممكناً التأكد من كل الأخبار. لهذا، صدّق أهل ميدان التحرير «الجزيرة» ولم يتوقفوا عند مبالغاتها. اليوم، هناك من ينتقد «الجزيرة» يومياً، وهناك فئة كبيرة من داعمي إطاحة مرسي تنتقد أيضاً الإعلام الذي ينافق الجيش وينشر الأكاذيب ضد اعتصامات الإخوان. لكن كل فترة، تبث «الجزيرة» تقارير حيث تتصيد وقائع حقيقية لإعلاميين غير محترفين اعتادوا منافقة كلّ الحكام وفشلوا في كسب رضى الإخوان، فقرروا المشاركة في إطاحتهم.
لكنّ إدارة «الجزيرة» تظن أنّ هذه التقارير ستجعلها بعيدة عن النقد والاتهام بالكذب. مثلاً، لم تردّ المحطّة على مراسل التلفزيون المصري محمد عبد الصبور الذي اتهم طاقم القناة القطرية بتحريض المعتصمين في رابعة العدوية ضده في واقعة نادرة من نوعها، رغم أنّ طاقم «الجزيرة» يستخدم سيارة مسروقة تابعة للتلفزيون المصري ليبثّ ما يجري داخل اعتصام رابعة. وكان متظاهرو رابعة العدوية قد سيطروا على السيارة فور إطاحة مرسي وطردوا طاقمها التابع لـ«ماسبيرو»، فلم تجد القناة القطرية أي مانع أخلاقي في استخدامها للنقل الدائم للاعتصام ولخطابات التحريض، فيما لا ترى عين «الجزيرة» الاعتداءات اليومية على الإعلاميين المصريين، والترحيب بالمراسلين الأجانب في رابعة، وبعضهم ينتمي إلى إعلام إسرائيلي. لم ترصد «الجزيرة» الهجمات على الكنائس، والأطفال الذين يحملون أكفانهم داخل الاعتصام، ولم تلتفت إلى أنّ معظمهم جاء من دور الأيتام، ولم تسأل المعتصمين عن سبب رفضهم وجود الصحافة المصرية وضرب المصورين والصحافيات. لم تحاول النزول إلى الشارع، ربما لأنّ مراسليها باتوا يدركون أنّ التجول صاراً مستحيلاً بعدما كانت القناة درة في ميدان التحرير. وبينما يؤكد البعض أنّ هدف «الجزيرة» الأول حالياً «سَرْيَنة مصر»، أي تحويلها إلى سوريا جديدة فيها معارضة «تستحق» الحصول على السلاح، ينشغل آخرون بسؤال عن مصير القناة بعد الأزمة: هل تستمر وتعيد ترتيب أوراقها رغم تطور القنوات المصرية، أم أنّ إدارة «الجزيرة» تعلم أنّها تخوض الآن معركتها الأخيرة، فإما يعود مرسي أو تغادر مع نظامه المحروسة إلى الأبد.